كفن لكل خطيب.. من ينقذ خطباء وأئمة عدن من القاتل المجهول؟
كفن لكل خطيب.. من ينقذ خطباء وأئمة عدن من القاتل المجهول؟
تناقلت عدد من وسائل الإعلام خلال اليومين الفائتين صورة للداعية العدني محمد علي عثمان خطيب جامع الخليل في مدينة عدن وهو يحمل كفنه أثناء مشاركته اللقاء التشاوري الذي عقده خطباء المدينة المغدورة لمناقشة ما آل إليه وضعهم الأمني بعد اغتيال ما يزيد على ثلاثين خطيبا وداعية منهم خلال العامين المنصرمين.
ولقد علقت كثير من المواقع الإلكترونية على موقف عثمان هذا وفسرته على أنه يأتي في سياق خوفه على نفسه، وهو تفسير سطحي ولا يتماشى مطلقا مع الرسالة التي أرادها الداعية الشاب إيصالها لمن يهمه الأمر، لأنه لو كان خائفا لرأى السلامة مغنما وطلبها أما في الجلوس في بيته أو في النزوح عن هذه المدينة الثكلى التي تفيق بين الحين والآخر على فاجعة جديدة بمصرع أحد دعاتها الفضلاء، أما أن يتجوّل في شوارع المدينة وكفنه بيمينه فإن ثمة رسالة قوية يريد توجيهها وينبغي على الجميع الوقوف عندها طويلا بعيدا عن التفسيرات السطحية المتسرعة.
كان يسع عثمان وأمثاله الابتعاد عن دائرة الخطر لكنهم يشعرون أن واجبهم الدعوي يحتم عليهم البقاء في هذه المدينة المثخنة رغم آلة القتل التي تدور في أوساطهم، وكل يوم لها نبأ جديد، حتى استقر في روع كل واحد منهم أن الطلقة القادمة ستكون من نصيبه، وأن معاول الخذلان الرسمي له تحفر الآن قبرا جديدا وتعد شاهدته وبيان العزاء ولم يبق غير وضع اسم الضحية الجديدة لتستوفي بذلك كل مراسم الفقد القادم.
رزية ما بعدها رزية أن تفقد هذه المدينة الوديعة المسالمة من خطبائها ودعاتها في مدة وجيزة وهي تحت دثار الشرعية مالم تفقده فلسطين خلال عقود من الزمن وهي تحت نير الاحتلال، ومن هنا فإن أول المعنيين بقراءة رسالة عثمان هي الأجهزة الأمنية على كثرتها داخل المدينة، ذلك أن توفير الأمن لعامة الناس هو واجبها الأول، فإذا ما عجزت عن القيام بهذا الواجب لسبب ما فإن عليها أن تكشف الحقائق للناس بشفافية شديدة، فليس من المعقول أن يُقتل هذا العدد الكبير دون أن تحصل هذه الأجهزة على خيط يوصلها إلى الجهات التي تدير عمليات القتل هذه والتي لا تزال تسرح وتمرح وكأنها في رحلة صيد مثيرة في صحراء بعيدة.
أما الجهة الثانية المعنية بقراءة هذه الرسالة فإنها الجهة التي تقف وراء هذه الجرائم حيث أراد الداعية الشاب أن يقول لها: لن يثنينا رصاصكم الهمجي عن أداء رسالتنا في الدعوة إلى الله مهما بلغت بكم درجة الإجرام، فموتنا أهون من أن تتعطّل المساجد وتخلو من عُمّارها، وإذا كنتم قادرين على إلحاق الأذى بنا فإننا بحول الله قادرين على الاستمرار في السير في طريق يوصلنا إلى الله وما الشهادة فيه إلا نهاية موت وبداية حياة.
وعلى المجتمع أيضا أن يفهم رسالة عثمان التي أراد إيصالها إليه في ضرورة أن يصبح لهؤلاء الخطباء حاضنة اجتماعية يقظة توفر لهم الحماية الكافية. ذلك أن الأعداد المهولة التي تسير في نعوشهم وجنائزهم كفيلة ـ إن أرادت ـ بحمايتهم والذود عنهم، ومادام هؤلاء قد أصبحوا يحملون أكفانهم بدلا عن حمل الكتب والأقلام فإن الخطر قد بلغ مداه، وأن على عدن مدينة إبان وأحمد بن حنبل والعسقلاني والبيحاني أن تحمي دعاتها البررة قبل أن تصحو ذات فجيعة فلا تسمع همسا لداعية ولا أذانا لمسجد.
المصدر :الصحوة نت
ليست هناك تعليقات