لا مكان للشر .. الدب الذهبي لفيلم صُوّر بالخفاء ومخرجه ممنوع من السفر!
لا مكان للشر .. الدب الذهبي لفيلم صُوّر بالخفاء ومخرجه ممنوع من السفر!
يُقال أن أعظم الإبداعات تولد من رحم المُعاناة وقد يكون ذلك هو السر وراء التفوق الملحوظ للأفلام الإيرانية في السنوات الأخيرة التي باتت حاضرة دائماً وبقوة في معظم الفعاليات السينمائية، ويتم استقبال مُبدعيها عادة بحفاوة كبيرة من قبل النقاد ومُحبي السينما في مختلف دول العالم بينما تتم ملاحقتهم من قبل أجهزة الأمن في بلدهم، من بين هؤلاء المخرج وكاتب السيناريو محمد روسولف الذي أصبح بين ليلة وضحاها حديث العالم عقب فوز فيلمه لا مكان للشر There Is No Evil –ويُعرف أيضاً بعنوان لا مكان للشيطان- بجائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي.
اقرأ أيضاً: أعظم الأفلام الإيرانية التي عرضت على الشاشة الفضية
قصة فيلم لا يوجد شر
تستعرض أحداث فيلم لا يوجد شر There Is No Evil مسار أربعة مواطنين إيرانيين صدرت ضدهم أحكاماً بالإعدام لأسباب مختلفة ويرصد تأثير ذلك عليهم وعلى المقربين منهم وعلى المجتمع بصفة عامة، ويتناول الفيلم من خلال قصصهم مفهوم الحرية الفردية باعتبارها حق أصيل لكل إنسان ويلقي نظرة على الواقع المزري للمواطن الإيراني العادي المُجبر على العيش مهدداً بصفة دائمة في ظل الاستبداد.
الطريق السري إلى برلين!
شهد مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ 70 منافسة قوية على مختلف فئات الجوائز وبالأخص الجائزة الكبرى “الدب الذهبي” التي تنافس عليها 18 فيلماً، والتي تمكن فيلم لا يوجد شر للمخرج محمد رسولوف من اقتناصها في النهاية متفوقاً على منافسه الأمريكي الأقرب للجائزة فيلم Never Rarely Sometimes Always الذي حاز على جائزة الدب الفضي.
لم يتمكن المخرج محمد رسولوف من الحضور لتسلم جائزة الدب الذهبي نظراً لأنه ممنوع من مغادرة الأراضي الإيرانية بموجب حكم قضائي صدر في حقه في وقت سابق بدعوى أنه يعمل ضد النظام الإيراني ويتعمد تشويه صورته من خلال أعماله السينمائية، حتى أنه اضطر إلى تصوير مشاهد فيلم لا يوجد شر بصورة سرية بمنأى عن أعين الأجهزة الرقابية والأمنية المتربصة به، ويتوقع البعض أن ذلك الفيلم قد يتسبب في إعادته لقاعات المحكمة مرة أخرى بعد ما لاقاه من نجاح، خاصة أن الفيلم في نظر الكثيرين صفعة جديدة يوجهها روسولف لوجه النظام المستبد ويفضح من خلاله الإعدامات الإيرانية العشوائية.
محمد روسولوف تاريخ من الإبداع والمعاناة
استهل محمد روسولوف مسيرته الإبداعية كمخرج وكاتب للسيناريو في عام 2002 من خلال الفيلم الدرامي The Twilight، ومن ثم توالت أعماله التي تم منع أغلبها من العرض في إيران، حيث دأب من خلالها على التطرق إلى أبرز القضايا الشائكة في وطنه وتوجيه انتقادات حادة ولاذعة للنظام الحكام وفضح ممارساته القمعية والمستبدة.
بلغ الأمر ذروته في عام 2017 حين كتب وأخرج فيلم رجل النزانة A Man of Integrity -المقتبس عن رواية الكاتب رضا أخلاغراد- الذي كشف من خلاله مظاهر الفساد المستشري في الدولة الإيرانية، وقد حاز روسولف عن هذا الفيلم جائزة مسابقة “نظرة ما” من مهرجان كان السينمائي الدولي التي تنافس عليها 18 فيلماً من حول العالم.
قامت السلطات الإيرانية عقب عرض الفيلم بالتحفظ على جواز سفر محمد روسولف ومنعه من مغادرة البلاد ولاحقاً صدر ضده حكماً بالسجن لمدة سنة ومنعه من السفر لمدة عامين ومنعه من ممارسة أي أنشطة سياسية أو اجتماعية، وتلك لم تكن السابقة الأولى في مسيرة روسولف فقد تعرض لتجربة مماثلة في 2011 بسبب فيلم Goodbye الذي نال عنه أيضاً جائزتين من مهرجان كان.
اقرأ أيضاً: تاريخ العلاقة بين الأفلام الفائزة بجائزة السعفة الذهبية وجوائز الأوسكار
الرقابة الإيرانية.. مسلسل لا ينتهي من القمع
جدير بالذكر أن أزمة المخرج الإيراني محمد رسولوف ليست الأولى من نوعها إنما هي مجرد حلقة ضمن سلسلة طويلة من الممارسات القمعية للمؤسسات الرقابية الإيرانية ضد المُبدعين بصفة عامة وصُنّاع السينما بشكل خاص، فقد تعرض المخرج الشهير جعفر بناهي لأزمة مماثلة في عام 2010 حين حُكم عليه -لأسباب مُشابهة- بالسجن لمدة 6 سنوات ومنعه من مغادرة الأراضي الإيرانية لمدة 20 عاماً أخرى علاوة على منعه من الظهور بأي من وسائل الإعلام سواء المحلية أو العالمية.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إنما تضمن الحكم أيضاً حظر جعفر بناهي من ممارسة أي نشاط فني وتحديداً كتابة السيناريو وإخراج الأفلام، كل ذلك لاتهامه بتصوير الأفلام دون الحصول على التراخيص الرسمية عوضاً عن تعمده تشويه صورة النظام الإيراني من خلال أفلامه، وقد كان يستعد بناهي في تلك الفترة لتصوير فيلم يتناول من خلاله الأحداث التي أعقبت انتخاب أحمد نجاد في 2009.
أعلن عدد كبير من المخرجين العالميين تضامنهم مع بنهاني آنذاك في مقدمتهم مارتن سكورسيزي وأنج لي وستيفين سبيلبرج، كما كان من المفترض أن يكون بناهي عضواً ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي الدولي بذلك العام وقد أعلن المهرجان تضامنه مع قضيته من خلال ترك المقعد الخاص به شاغراً خلال فعاليات حفل الافتتاح.
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات