هل يمكننا التحكم في أحلامنا من خلال العلاج الجيني؟
هل يمكننا التحكم في أحلامنا من خلال العلاج الجيني؟
عام 1990، صدر فيلم الاستدعاء الكامل “Total Recall”، بطولة الممثل النمساوي أرنولد شوارزنيجر. يحكي الفيلم قصة البطل الذي غُيّر عقله، ووُضع فيه ذكريات وأحلام خاصة بأحداثٍ على كوكب المريخ. عندما صدر الفيلم، لم يكن للناس علم بكيفية التسبب في هذا التلاعب بالأحلام.
في الآونة الأخيرة، ومع التقدم الهائل في العلوم عامة، وعلم الأحياء خاصة، بدأ تعزيز فهمنا حول تأثير الجينات على حياتنا وأنشطة أجسامنا، وأضافت الدراسات العديد من التأثيرات المذهلة للجينات.
بدأ الكثير من الناس في البحث عن تأثير الجينات على محتوى الأحلام نفسه، وكيفية تعديل محتوى الأحلام من خلال بعض التعديلات في الجينات عن طريق ما يُعرف بالعلاج الجيني. لكنّ عملية التعديل هذه ليست سهلة كما يظن البعض، ليس بسبب صعوبة تعديل الجينات داخل أجسامنا فقط، بل لأنّ هناك علاقة معقدة بين الجينات والأحلام. علاوة على ذلك، حتى لو هناك إمكانية لتعديل الجينات نفسها، هل يمكن تغيير محتوى الحلم؟ في الحقيقة إن الأمر صعب التخيل، لكن لا بأس، لننظر إلى الأمر عن قرب ونحكم.
عوامل تؤثر على محتوى الحلم
يتأثر محتوى الحلم بشكلٍ عامٍ بالكثير من العوامل، أغلبها مرتبط بأفكار وأحلام الإنسان، فإذا كنت متحمسًا أو قلقًا بشأن أمر ما، يمكنك أن تحلم به. في الماضي، اعتقد الناس أنّ الأحلام حدث خارق للطبيعة، وظهر هذا الفكر في الأدب وقتها، فقد عبر الكثير من الشعراء والأدباء عن فهمهم للأحلام تبعًا للأفكار المُتداولة في عصورهم.
هناك عوامل أخرى تؤثر على محتوى الحلم، مثل: العمر والجنس. ففي حالة الأطفال حتى عمر السابعة أو الثامنة، لا يكون الحالم نشطًا في الحلم، لكن يبدو الأمر وكأن الطفل بمثابة مُشاهد يشاهد فيلمًا أو كرتونًا. تتحسن قدرة الطفل على التذكر بعد سن الثامنة. خلال فترة العمر ما بين 11 و15 عامًا، يكون للتهديدات الملموسة في حياة الشخص تأثير واضح على محتوى الحلم، فقد تظهر هذه التهديدات وكأنها وحش يطارد الشخص.
عادةً ما يتأثر الحلم ومحتواه بجودة النوم، التي تتأثر بحالاتٍ منها، هل الشخص ينام وحده أم لا؟ فمثلًا النساء، يتمتعن بجودة نوم أفضل عند النوم وحدهن دون شريك، كما يرين ألوان زاهية في أحلامهن كثيرًا.
إنّ الأمراض النفسية من أهم العوامل التي تؤثر على الأحلام. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من وسواس قهري، تتأثر أحلامهم بنسبة كبيرة بهذه الوساوس. وهناك حالة تسمى اضطراب نوم حركة العين السريعة، في هذه الحالة يصبح محتوى الأحلام أكثر عدوانية مقارنة بأحلام الأشخاص الذين لا يعانون من هذا الاضطراب.
وُجد أنّ هناك ارتباط بين صعوبة التنفس وأوضاع الجسم أثناء النوم ومحتوى الأحلام، فكلما وجد الشخص صعوبة بالتنفس، كلما زادت احتمالية رؤيتهِ للكوابيس. تُشير بعض الأدلة إلى تأثير الروائح القوية، فهي تُزيد من نسبة المحتوى العاطفي للأحلام.
متى تحدث الأحلام ؟
قبل أن نعرف متى تحدث الأحلام، من الضروري معرفة أنّ هناك مرحلتين أساسيتين يمر عبرهما الإنسان قبل النوم، هما مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM) ومرحلة نوم حركة العين غير السريعة (NREM). وتحدث الأحلام أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM)، حيث يكون الدماغ نشطًا كما في حالة اليقظة، حتى إنّ هناك بعض الدراسات التي أشارت إلى أنّ لهذه المرحلة دورًا في تعزيز الذاكرة.
اكتشاف جينين يؤثران على النوم
على الرغم من تطور العلوم وتقدم معرفة الإنسان حول الآليات العصبية وراء النوم، إلا أنّ نوم حركة العين السريعة لم يكن واضحًا على المستوى الجزيئي إلى أن استطاع فريق بحثي تحديد جينين يساهمان بشكلٍ أساسي في نوم حركة العين السريعة وفي نوم حركة العين غير السريعة.
في تجربة على أحد الفئران، عندما أُخرج هذان الجينان من الفأر أثناء تجربة، انخفض مقدار نوم حركة العين السريعة إلى مستوى غير قابل للكشف. هناك دراسات تشير إلى أنّ الناقل العصبي أسيتايل كولين ومستقبله ضروريان في تنظيم نوم حركة العين السريعة، لكن لم تكن المستقبل أو المستقبلات المشاركة في نوم حركة العين السريعة واضحة بعد، بسبب تعقيد الشبكة العصبية.
في نفس الدراسة، استخدم الباحثون أدوات وراثية متطورة لتساعدهم على تعديل الجينات، ليتمكنوا من إجراء فحص جيني للعوامل التي قد يتسبب تثبيطها في حدوث خلل أثناء النوم، وبالتالي تؤثر على الأحلام. قاموا بإجراء تعديلات على عدد من الجينات التي تكون أنواعًا مختلفة من الاسيتايل كولين، حتى لاحظوا أنّ فقدان المستقبلات التي يُكوّنها الجينين (Chrm 1) و(Chrm 3)، قد أثر على نوم الفئران، فقد وجدوا أنّ تعديلات الجين (Chrm 1) ثبط نوم حركة العين السريعة، بينما التعديلات على الجين (Chrm 3) قلل من طول مدة نوم حركة العين غير السريعة.
اتضح أنّ الفئران قيد التجربة ظلوا أحياءً بعد حرمانهم من نوم حركة العين السريعة. وهذا سيُفيد في دراسة ما إذا كان لهذه المرحلة دور في التعلم والوظائف البيولوجية لجسم الإنسان أم لا.
بعد كل هذا، هل يمكننا التحكم في محتوى الأحلام حقًا باستخدام نوع من العلاج الجيني؟ الإجابة، لا، هذا غير محتمل صديقي، فالنوم يتأثر بالعديد من الجينات بالإضافة إلى بعض العوامل الخارجية – كما ذكرنا – لذلك لا تضع آمالًا كثيرة على التحكم في أحلامك، ولا تكن على استعدادٍ لشراء العلاج الجيني لأهم وأجدد الأحلام. بدلًا من ذلك شاهد فيلمًا أو اقرأ رواية جديدة.
هل يمكننا التحكم في أحلامنا من خلال العلاج الجيني؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات