أحدث الاخبار

بعد تويتة عمرو سلامة الأخيرة.. هل الفلسفة إهدار للوقت حقًا؟

بعد تويتة عمرو سلامة الأخيرة.. هل الفلسفة إهدار للوقت حقًا؟



لما الفلسفة - أفلاطون

قبل عدة أيام نشر المخرج المصري عمرو سلامة على الحساب الخاص به على تويتر تويتة للتقليل من شأن الفلسفة، فنجده يقول إن قرأت الفلسفة هي عملية إهدار وإضاعة للوقت، ومن المفيد لو تم استغلال هذا الوقت المهدر في العمل والانخراط في ميدان الحياة، ثم ينهي تغريدته بقوله أن الحياة قد توفر الإجابات التي لا توفرها الفلسفة.

وعلى الرغم من أن تلك التغريدة مكتوبة بدقة وتركيز، بل قد نعتبرها محاولة للحكمة والتفلسف وهذا ما جعل الكثير من الناس يقعون في شباك تلك الجملة المنمقة دون فحص دقيق، ودون محاولة جدية لمعرفة هل هذا الطرح بالأهمية التي تجعلنا نقف عنده أم مجرد حماس زائد.

هل الفلسفة حقل مفيد؟

بعد تويتة عمرو سلامة الأخيرة.. هل الفلسفة إهدار للوقت حقًا؟
بعد تويتة عمرو سلامة الأخيرة.. هل الفلسفة إهدار للوقت حقًا؟

نرشح لك قراءة: روايات رائعة تأخذ بيدك لدهاليز الفلسفة

في هذا المقال سأحاول إيضاح بعض الحقائق عن الفلسفة، ليس دفاعًا أعمى مني بل لإظهار الحق، وتوضيح الأفكار المشوشة والضبابية.

سقراط - لما الفلسفة؟
لعل سقراط يسأل: لما الفلسفة؟

في بداية كتاب “تمهيد للفلسفة” للدكتور محمود حمدي زقزوق يضع فصلًا كاملًا عن فائدة الفلسفة، هل الفلسفة ما زالت مفيدة في عصرنا الحالي؟ مع كل هذا التقدم العلمي والحقائق المادية أصبح من الصعب على الإنسان أن يوافق على  الأشياء التي لا يستطيع لمسها والتعامل معها، فنجد معظم الناس تخبرنا أن الفلسفة لم تعد مهمة والعلم قد حل محلها، وهنا يطرح الدكتور محمود حمدي سؤالًا مهمًا وهو “هل يعيش الإنسان على الخبز والشراب فقط؟”.

إذا تأملنا قليلًا في هذا السؤال سنجد أننا في حاجة لنعرف ماهية الإنسان، فلو اعتمدنا على الحقائق الملموسة فقط سيضيع الإنسان وسنحول هذا العالم إلى كابوس لن يتحمله أحد؛ الأدب ليس علمًا ماديًا، والسينما ليست علمًا، ومشاعرنا وأفكارنا وهويتنا وكل جزء صغير يشكل الإنسان ليس علمًا بالمعنى المادي، ومن هنا نجد صعوبة كبيرة في نفي كل شيء والتقليل منه بسبب عدم وجود أهمية مباشرة له.

عالمٌ بلا فلاسفة

بعض الفلاسفة من أزمان مختلفة - الفلسفة
أهمية الفلسفة في حياة الإنسان – بعض الفلاسفة من أزمان مختلفة.

هل الفلسفة غير مهمة حقًا؟ في كتاب “التداوي بالفلسفة” نجد المفكر سعيد ناشيد يطرح علينا طرح بإمكانه أن يوضح الأمر قليلًا، دعونا نتخيل عالمنا وتاريخنا بدون فلاسفة، لم يظهر سقراط، وأفلاطون لم ينقد شيئًا من آرائه أو يتحدث عنها، لم يظهر الفيثاغوريين، ولم يطرح أحد اسئلة حول الإنسان وبداية الكون والحياة، لماذا نحب وما هو الحب، العقد الاجتماعي لروسو لم يكتب، نيتشه لم يكتب “هكذا تكلم زرادشت” جميع العلماء والفنانين والأدباء لم يتأثروا بالفلاسفة، هتلر ودالي لم يعرفوا نيتشه، الرواية التي ستقرأها لا تهدف إلى معالجة موضوع إنساني ولا تهدف لتغير وجهة نظر معينة.

هكذا تكلم زرادشت

كل ما يفعله البشر بدون الفلسفة هو السير تحت ظلال الأفكار التي وجدوها بعد انبثاقهم للوجود، زد على هذا اختفاء كارل ماركس وكل من تأثروا بأفكاره وتأثيراتهم الضخمة في التاريخ، ويجب الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أننا نعيش الآن في ظلال أفكار وخبرات وتجارب من سبقونا، وبناءً على فكر وفلسفة الأجيال السابقة تتقدم الأمم أو تتأخر، لكن قد يطرح أحدهم طرحًا مهمًا وهو أن التأثير لا يلزم أن يكون مفيدًا بل قد يكون تأثيرًا ضارًا، وهذا ما سيتضح في باقي المقال.

نرشح لك قراءة: أهم الفلاسفة القدماء الذين ساهموا بتقدم الحضارة البشرية

كل الناس فلاسفة، والفلسفة ليست لكل الناس

الحقيقة التي لن نهرب منها مهمة تفلسفنا أننا جميعًا فلاسفة، أعتقد أنه من المستحيل أن تجد إنسانًا في هذه الحياة لا يملك وجهة نظر حول أي شيء، وبالتأكيد يملك هذا الإنسان مجموعة من المبادئ والمعتقدات التي يسير عليها في حياته وكل هذا بالطبع نوعًا من التفلسف، لكن الفيلسوف الحق لا يقف عندما يتبنى بعض الأفكار والمعتقدات بل يحاول إيجاد ركائز قوية تدعم هذه الأفكار.

فنجد الفيلسوف يطور أدوات وطرق البحث والمعالجة، ولا يقبل الجملة لأنه سمعها من شخص يستمع له باقي الناس، كما لا يقبل فكرة لأنها تخدم أيدولوجيته الخاصة، الفيلسوف الحق هو من يعتنق فكرة معينة لأنها الأقرب للصواب ولأنه وضعها تحت عدسة النقد والتفنيد آلاف المرات.

ومن هنا نجد أن معظم الناس تتبع أفكار معينة وهذه الأفكار لا يستطيع أحد أن يأصل لصحتها ويقنعنا بها، فنجد مثلا التضحيات البشرية المرعبة عند بعض القبائل رغبة منهم في ظهور الشمس كل يوم، وبنقد فلسفي بسيط كان يمكن أن ينتهي هذا الطقس الشعبي الضخم.

المخرج عمرو سلامة
بعد تويتة عمرو سلامة الأخيرة – هل الفلسفة إهدار للوقت حقًا؟

حتى لا تهدر وقتك أنت أيضًا

“كلما أهدرت وقتي وقرأت في الفلسفة” المشكلة في هذه الجملة التي بدأ بها المخرج عمرو سلامة تغريدته، أنها توضح لك أنه دخل الفلسفة على أمل معين، دخل حتى يجد شيئًا معينًا يحمله في حقيبته ثم يغادر هذا الميدان، لذلك عندما لا يجد هذا الشيء المحدد بين طيات الكتب يشعر أن وقته قد أهدر، لكن ما هو الشيء الذي تقدمه الفلسفة بالفعل؟ كما درسنا جميعًا في المدارس يبدأ الفيلسوف بالتفلسف انطلاقًا من الدهشة والتعجب، ونحتاج أن نتوقف قليلًا عند الدهشة لأن الكلمة عميقة للغاية وكثيفة جدًا مثلها مثل المفردة التي بدأ بها الكون.

عندما يندهش الفيلسوف من شيء فإنه يمنحه وقته وحياته، والفلسفة في الغالب هي علم الكليات، فنجد الفيلسوف مشغولًا بالإنسان والكون، كيف أتى كل هذا وإلى أين سيذهب، كما يهتم بالأفكار الموجودة في مجتمعه عن الحياة وعلى منهج ديكارت يخضع الفيلسوف كل شيء لمطرقة الشك ولا يتبع إلا الفكرة التي تسلم من تلك المطرقة.

لذلك تجد الفيلسوف دائمًا يحمل هم شيء معين يريد معرفة حقيقة الأخلاق حقيقة الجمال، يريد التأكد من أن عقله يعطيه صور العالم كما هي موجودة بالفعل، ويريد التأكد من النتائج العلمية ولماذا علينا أن نثق بها.

كل هذه الأفكار وأكثر تصيب الفيلسوف بالحمى، حمى لا يجد لها علاجًا فيستمر أكثر وأكثر في البحث، يبني على من سبقوه ويترك أطروحات جديدة للأجيال القادمة.

بوستر فيلم الشيخ جاكسون للمخرج
بوستر فيلم الشيخ جاكسون للمخرج عمرو سلامة.

تبدأ المشكلة حينما يصبح هم الإنسان ومشكلته الأولى هي الخبز والماء فقط، هنا لن يصبح الإنسان مهمومًا ولا محمومًا بشيء، وعند هذه النقطة فقط يمكنني القول أن الفلسفة لن تفيده على الإطلاق، فالإنسان الذي لا يرغب في معرفة شيء ويعتقد أن معه الحقيقة المطلقة للكون ولكل شيء هو بالفعل إنسان لن تفيده الفلسفة كيف ذلك وقد وصل للحقائق المطلقة؟!

وإذا نظرنا إلى عمرو سلامة فسنجده مخرجًا بمعنى أنه يهتم بالإنسان وأفكاره ودواخله وهذا ما نلاحظه في فيلم “الشيخ جاكسون” على سبيل المثال، والمشكلة هنا أن الفيلم فيه الكثير من الفلسفة، لكن يبدو أن تغير مصطلح الفلسفة بأي مصطلح آخر يريح.

نرشح لك قراءة: فيلم الشيخ جاكسون وأشباح المراهقة تطاردنا من جديد

أهمية السؤال في الحقل الفلسفي

كتاب التداوي بالفلسفة لسعيد ناشيد - أهمية الفلسفة في حياة الإنسان
كتاب “التداوي بالفلسفة” للمفكر سعيد ناشيد.

“الفلاسفة فقط يطرحون الأسئلة”، كما قلت مسبقًا يدخل الإنسان ميدان الفلسفة بأمل إيجاد إجابات معينة وعندما لا يجد مراده يغضب ويضجر ويسخط ويتركها ويسير في طريق آخر، لكن هناك البعض الآخر من الناس يكملون الطريق، يريدون أن يعرفوا لماذا لا توجد إجابة، كيف عجزت أذكى العقول البشرية عن إجابات كل هذه الأسئلة، ووحده هذا الذي يكمل الطريق سيعرف لماذا الإجابات ليست بهذه السهولة، وسيعرف أيضًا أهمية السؤال.

السؤال في الفلسفة ليس مثل السؤال المدرسي، فالسؤال الجديد في الحقل الفلسفي أو العلمي، يفتح لك آفاقًا جديدة للتفكير، ويوسع حدود المعرفة ويضعك في مكان جديد لم تتوقع وجوده، سؤال واحد قد يغير حياتك بأكملها، وسؤال واحد قد يدمر معتقدات راسخة في عقول وقلوب آلاف البشر.

قد ينقلك السؤال إلى سؤال آخر وفي هذه الرحلة ستكتشف إجابات لم تفكر فيها من قبل وستكتشف مواضيع جديد لم تُطرح، وستعرف المعنى الحقيقي للسؤال.

نرشح لك قراءة: رواية عالم صوفي ستأخذك في جولة ممتعة في عالم الفلسفة الساحر

الفلسفة في الحياة

“أما العمل فقد يوفر أحيانًا بعض الإجابات” المقصود هنا في الغالب هو توضيح أهمية المشاركة في الحياة والابتعاد عن البيت العاجي الذي يعيش فيه الفيلسوف، وهذا شيء لا ينكره الفلاسفة أنفسهم، بل يؤكد الكثير من الفلاسفة على أهمية الحياة اليومية.

ولنا في سقراط خير مثال حيث كان يحاور الناس في الشوارع والأسواق، ونجد من الفلاسفة من تحدثوا عن الجسد وأهميته، بل ونجد أفلاطون ونيتشه يتحدثون عن أهمية الحركة والسير للفيلسوف.

بالطبع يحتاج الفيلسوف لبعض العزلة حتى يقيم كل شيء لكن مثله مثل أي مبدع آخر ينعزل ويعود للحياة، أما الصورة النمطية للرجل حبيس غرفته فهذه صورة خادعة وكاذبة.

عالم النفس والكاتب إيرفين د.يالوم
عالم النفس والكاتب إيرفين د.يالوم.

لا تتوقف الفلسفة هنا بل تدخل في أمور هامة مثل: فلسفة العلم وفلسفة السياسة، كما نجد الفلسفة التي تدخل مجال علم النفس وتساعد الإنسان فنجد كتاب عزاءات الفلسفة للكاتب آلان دو بوتون، وكتاب التداوي بالفلسفة لسعيد ناشيد، كما نجد مشاريع ضخمة لمحاولة مساعدة الإنسان بخليط من علم النفس والفلسفة كما يفعل العالم النفسي والكاتب الكبير إيرفين د. يالوم، ومن مؤلفاته نجد “مشكلة سبينوزا” و”عندما بكى نيتشه“.

مشكلة سبينوزا

من الضروري أن تراجع: شرحُ الفلسفة لغير الفلاسفة ولمحةٌ موجزةٌ عن كلِّ شيء

البدء في الفلسفة والتخلص منها

المشكلة في الفلسفة، والعلوم والفن، وأي مجال في الحياة أنه يحتاج في البداية إلى الكثير من المجهود حتى نستطيع التعامل معه، بمعنى أنه لا يجب على شخص لم يخطو خطوة واحدة في طريق طويل جدًا أن يحكم عليه، وعلى هذا يكون من الحماقة تصديق شخص في المرحلة الإعدادية يتحدث عن نسبية أينشتاين ويهدمها.

لذلك حتى تتقبل الفلسفة وتستطيع أن تستمتع بها عليك أولًا المشي في طريقها حتى تفهمه بشكلًا كامل، ولو فرضنا جدلًا أنك بعد هذا الطريق قررت أن تهاجم الفلسفة -وهذا شيء محمودٌ بالطبع- فإن نقدك هذا سيعد خطوة جديدة للفلسفة، تطوير في البنية الحالية، والفلسفة لا تتقدم وتزدهر إلا بانتقادها، وكما يقول أرسطو “إن الذي يرفض الفلسفة يتحتم عليه أن يتفلسف”.

أهمية الفلسفة في حياة الإنسان - الفيلسوف ديكارت
الفيلسوف ديكارت.

وهكذا نكون قد حاولنا عرض القليل جدًا من أهمية الفلسفة في حياة الإنسان، وحاولنا إيضاح لماذا بالفلسفة فقط يعتبر الإنسان إنسانًا، كما يقول سبينوزا إنه لا مفر من الفلسفة فهي موجودة في كل شيء، والشخص الذي يرفضها هو في الغالب يغير مصطلح الفلسفة في حياته لمصطلحات آخرى، والحقيقة إن من أغرب الأشياء أن نجد الناس تهرب وتنتقد تاريخ الفكر والعقل البشري وذلك حيث تعتبر الفلسفة خلاصة حدودنا الفكرية.

وأختم هذا المقال بقول ديكارت: “ما دامت الفلسفة تتناول كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من الأقوام المتوحشين والهمجيين”.

بعد تويتة عمرو سلامة الأخيرة.. هل الفلسفة إهدار للوقت حقًا؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي



المصدر : اراجيك

ليست هناك تعليقات