العراقي أحمد سعداوي صاحب فرانكشتاين في بغداد: كاتب الواقعية البائسة، والخيال الأخّاذ
العراقي أحمد سعداوي صاحب فرانكشتاين في بغداد: كاتب الواقعية البائسة، والخيال الأخّاذ
أحمد سعداوي هو الكاتب والصحفي والشاعر العراقي المعروف، والذي ذاع صيته على الأخص في عام 2014 عندما فاز بجائزة البوكر عن روايته “فرانكشتاين في بغداد” وهي أشهر كتاباته. بدأ حياته المهنية كصحفي عمل في العديد من الصحف، وعمل مراسلًا لأكثر من وكالة إخبارية أيضًا. وفي أواخر التسعينات أصدر أول دواوينه الشعرية “الوثن الغازي”، والذي تبعه بثلاثة دواوين أخرى، ليتوقف بعدها عن كتابة الشعر، ويتفرغ لكتابة الروايات والتي كان أولها “البلد الجميل” في عام 2004.
أفضل كتب أحمد سعداوي
يظهر بوضوح في كتابات أحمد سعداوي المختلفة، أنّه حمل همّ بلاده، العراق، بعدما مزّقتها تسلّط الحكومات، وطغيان الاحتلال، وفجور الجماعات الدينية المتطرفة، وغيرها من الأحداث المأساوية التي وقعت العراق ضحية لها. وتميز أيضًا بمزجه المتكرر في أعماله بين الواقع والخيال، حتى يختلطا ببعض بشكل فريد من نوعه، مما يجعل القارئ يخوض معه تجربة مؤثرة، ممتعة، وغنّية بالخيال.
كتب أحمد سعدواي في تاريخه الأدبي القصير منذ عام 2004 وحتى عام 2017 أربع رواياتٍ فقط، سنذكر منها في هذا المقال رواياته الثلاثة الأهم: فرانكشتاين في بغداد – إنّه يحلم، أو يلعب، أو يموت – البلد الجميل، حيث أنّ روايته “باب الطباشير” اختلفت عليها الآراء، وإن كان قدّم فيها فكرة جديدة مثيرة للاهتمام، وغارقة في الخيال أيضًا.
فرانكشتاين في بغداد
صدرت الرواية الشهيرة فرانكشتاين في بغداد عام 2013، وترشّحت للفوز بجائزة البوكر العربية في عام 2014، وكانت منافستها في ذاك الوقت هي رواية الفيل الأزرق للكاتب أحمد مُراد. وبالرغم من أنّ كلا الروايتان ينتميان لفئة الفانتازيا، إلا أنّ القيمة الإنسانية والواقعية المؤثرة التي حملتها رواية الكاتب أحمد سعداوي، جعلتها تنال الجائزة بسهولة وعن جدارة، لتُترجم بعدها إلى 32 لغة مختلفة، ويُقال أنّه جاري تحويلها إلى عمل سينمائي أيضًا.
نحن أمام رواية تحمل جانبين متناقضين، جانب واقعي مؤلم وقاسي جدًا، وجانب خيالي ميتافيزيقي، وللأسف لم يكن جميلًا كذلك، ربما كان في البداية عندما كانت فكرة الثأر من القتلة تُشفي الصدور، ولكنها لم تعد كذلك بعدها.
رواية فرانكشتاين في بغداد كما يحمل اسمها تدور في بغداد ما بعد صدّام حسين ودخول القوات الأمريكية أرض العراق، حيث بائع الأثاث المستعمل هادي العتّاك، الذي يقوم يجمع أجزاء من جثث القتلى في الانفجارات التي كانت تحدث بشكل مستمر هناك، والذي فُوجئ بأنّ هذه الأجزاء قد تشكلّت معًا لتكوّن شيئًا أشبه بالمسخ، أعضاء جسده كلها هي أعضاء لأُناس أبرياء قُتلوا ظُلمًا وقهرًا، وها هو فرانكشتاين ينهض من نومه، لينتقم من قاتليه، والذين قتلوا الأبرياء، الذي تشكّل من جسدهم.
” هذا الكائن الخيالي نُصادفه كل يوم في العراق، كل طرف يرغب بالانتقام من الآخر حتى اختلطت أجساد الضحايا بأجساد المجرمين، التفجيرات وعمليات القتل كل يوم لا تستثني أحدًا، البريء والمجرم، لهذا لا يتوقف القتل أبدًا. الضحية قد تكون قاتلًا، وربما العكس، القاتل هو الضحية، والقائمة تتجدد دائمًا، فثقافة الانتقام لا تُثمر غير الموت.”
فرانكشتاين، أو الذي لا اسم له، أو “الشسمه” في الرواية، ما هو إلا رمز للمُخلّص الذي سيهبط علينا في آخر الزمان كي يقوم بردّ المظالم، والثأر للمظلومين. هو الضمير، والمنقذ، وهو الحُلم في العدل، والسلام، اللذان يحلم بهما كل إنسان، ليُحلاّ على أرضه أينما كانت.
“إنّ كل الحوادث الأمنية والمآسي التي نمر بها، لها مصدر واحد هو الخوف. كل يوم نموت خوفًا من الموت نفسه. المناطق التي آوت القاعدة وقدمت لها الدعم فعلت ذلك بسبب الخوف من المكون الآخر، والمكون الآخر هذا جنّد نفسه وصنع ميليشيات لحماية نفسه من القاعدة. صنع آلة موت مضادة بسبب الخوف من الآخر. وسنشهد موتًا أكثر وأكثر بسبب الخوف.”
استطاع أحمد سعداوي في هذه الرواية أن يُعبّر بالخيال عن واقع وطنه الجريح، العراق، بصورة مؤثرة، فكان ذلك المزيج الذي صنعه بين الواقع والخيال بديعًا، وأعطى للرواية تفردًّا رائعًا.
إنّه يحلم، أو يلعب، أو يموت
العراق.. من جديد، حيث الحروب، والدماء، والانفجارات، والألم، والخوف، وفقدان الأحباء، بالرغم من أنّها هذه المرة، هي عراق ما قبل الاحتلال، ولمدة ثلاثة عقودٍ قبل حدوثه، ولكنّ لا يبدو أنّ هناك فارقًا، فالمعاناة واحدة، والآلام مستمرة منذ سنواتٍ طويلة.
تدور رواية إنّه يحلم، أو يلعب، أو يموت حول نديم، وهو العراقي الذي عاصر مآسي العراق بدايةً من حربها مع إيران، والكويت، وأثناء الانتفاضة الشعبية في عام 1991، وما تلاها من أحداث، وصولًا إلى يوم سقط الحكم الدكتاتوري في العراق. نديم الذي كسرته كل هذه الفجائع، لم يجد إلا أن يلجأ لواقع افتراضي ليعيش فيه حياة مُختلفة مع شخصيات لم تُوجد من قبل، وشخصيات لم تعد موجودة بعد. وبين أحلام المنام لنديم، وأحلامه التي يصنعها في يقظته وسيناريوهاته المُحتملة لما قد يحدث له، تدور أحداث الرواية.
“أنام وأحلم بأنّ الموت الجديد سيحصد روحي بصورة لا مثيل لها لسخفها وعبثها، ويتداعى في رأسي كل الموت الذي اختزنته ذاكرتي. كنت أستعيد كمن يجرك شريطًا سينمائيًا متآكلًا التفاصيل نفسها والكلام نفسه. كنت أمرن نفسي على القطع النهائي مع هذه الحياة. اختزلت حياتي ببضع محطات وكبستها مع بعضها، ووضعتها في حقيبة، خططت أن أتركها في بيتنا المتهالك، لتأكلها الجرذان والأرضة بعد رحيلي.”
من موجعات الرواية، انتظار نديم لموت أمّه العجوز التي يقوم برعايتها، كي يتحقق له حُلم السفر، والخروج من العراق، وهو الأمر الذي انتظره طويلًا. وهناك الكثير من المشاهد المُوجعة في الرواية، مثل مشاهد لطم النساء على الجثث الملفوفة بالعلم العراقي، ومشاهد إعدام الهاربين من الحرب مع إيران علنًا في الساحات العامة.
الرواية هي العمل الثاني لأحمد السعداوي، حيث صدرت في عام 2008، وحازت على جائزة هاي فستيفال البريطانية لأفضل 39 أديبًا عربيًا دون سن الأربعين.
البلد الجميل
البلد الجميل هي الرواية الأولى التي كتبها أحمد سعداوي، وهي الرواية الحائزة على الجائزة الأولى للرواية العربية بدبي عام 2005. ويحكي فيها عن عراق التسعينات، وبالتحديد في مدينة الثورة، مدينة الصدر.
تَستهلّ الرواية بالفقرة التالية:
“(نود) أغنيتي التي رحلت. نصف تفاحتي. سمكة أيامي اللائبة في بحيرة صمتي، كلمتي التي أُكررها مرارًا. لماذا أناول نفسي من يدي، وأسكر بلذة فقدك. لماذا أتيه وأنا بجوارك، وأتلمّس في العتمة كل شيء إلّاكِ؟”.
الرواية منقسمة لثلاثة أقسام، قسم يحكيه حلمي ذاكرًا فيه حبيبته نود والواقع في مكان افتراضي، والقسم الثاني صاحبه عيدان، والذي نجده يستكمل حكاية حلمي ولكن بصورة واقعية أكثر، حيث نعرف المكان والزمان، ولكن في ظل غياب نود. أمّا القسم الثالث فمزيج من حكاية حلمي وحكاية عيدان، حيث نكتشف أنّ هناك قصة حقيقية واحدة فقط، ونعرف حينها من هو صاحبها الأصلي.
“إنّني أعتاشُ على الأحلام.”
الرواية مُربكة بعض الشيء، وهناك بعض التفاصيل الغائبة عنها، وربما تنتابك خيبة الأمل إن قارنتها برواية أحمد سعداوي “فرانكشتاين في بغداد”، ولكن عليك أن تتذكر أنّها روايته الأولى، وأنّها ككل ما كتبه قلم أحمد سعداوي، تمسّ القلوب حديثه عن الوطن المنكوب، كما أنّه أضاف في هذه الرواية بُعدًا رومانسيًا رقيقًا، ممّا جعلها مميزة عن رواياته الأخرى.
العراقي أحمد سعداوي صاحب فرانكشتاين في بغداد: كاتب الواقعية البائسة، والخيال الأخّاذ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات