فرانز كافكا سوداوي كئيب ساهم أدبه في إعلاء شأن الفنون جمعاء!
فرانز كافكا سوداوي كئيب ساهم أدبه في إعلاء شأن الفنون جمعاء!
هناك الكثير من الأدباء الذين ساهموا في إعلاء شأن الأدب نفسه، على مدار التاريخ. وإذا تتبعنا الأمر قليلًا إلى الخلف، سنجد أن الذين ساهموا في تقوية الأدب هم كل الناس الذين تعلموا القراءة والكتابة، وقرروا الكتابة أكثر. اليوم سوف نتحدث عن أدب فرانز كافكا يا رفاق، أحد أعظم وأقوى أدباء السوداوية.
بالنسبة لكافكا، هو لم يكتب الأدب من أجل الكتابة، كان فقط يسرد أفكاره المتشابكة على الورق لا أكثر ولا أقل. حتى أنه أوصى بحرق أعماله كلها بعد موته، لكن بدلًا من ذلك، ظهرت للنور وخلدت اسمه حتى وقتنا هذا، ولقرون ستأتي. اليوم سوف نتحدث عن تأثير أدب فرانز كافكا على الألوان المختلفة للفن، هيا بنا!
اقتباس: فرانز كافكا"الشخص الذي يصون قدرته على رؤية الجمال لن يشيخ أبداً" – الأديب التشيكي فرانز كافكا#أراجيك
Posted by AraGeek – أراجيك on Sunday, May 15, 2016
ما البورتريه الأدبي الذي قدمه فرانز كافكا للجمهور؟
عند محاولة عمل بورتريه أدبي لكاتبٍ ما، يجب البحث عن الأسباب التي دفعته للكتابة في الأساس. فرانز كافكا كان محركه ودافعه الأساسي هو محاولة تشتيت الغيوم المتجمعة فوق رأسه باستمرار. لم يكتب كي يقدم عبرة للقارئ مثلًا، ولم يكتب كي يتربح كذلك. كتب كل شيء بنية عدم نشره من الأساس، لذلك عند قراءة أعماله، لن تجده يطرح عليك مفهومًا جديدًا للحياة ولن تجد قصصه مشوقة وبها عناصر درامية كالقصص والحكايات الأخرى. كافكا كتب لنفسه، لا للآخرين.
الكتابة الشخصية التي تبناها فرانز كافكا في حياته، أثمرت عن كوكبة من الأعمال التي لم يتورع فيها عن نقد كل شيء وأي شيء، لأنه في النهاية، لم يعتقد أن أعماله ستُنشر وتحظى بتلك الشعبية الطاغية لعقود خلف عقود. مستوى الصراحة والبساطة والتجريد في أعماله، مبهر للغاية.
وهذا هو الذي قوَّى أعماله في الأساس، وساعد على انتشارها. تخيل معي يا صديقي أن تتناول مفهوم (التشوُّه) بطريقة بدائية للغاية، أن تتحول إلى حشرة مثلًا؟ بمعايير البشر، هذا تشوه، لكن بمعايير الحشرات؟ أجل، هذا ليس تشوهًا على الإطلاق.
اعتمد أدب فرانز كافكا على تجريد وتسطيح كل المفاهيم البشرية النمطية، وعمل على تكسيرها واحدًا تلو الآخر عبر استخدام مبدأ (ماذا لو؟). بذلك المبدأ، استطاع جعل القارئ في حالة من التضارب. هل أنا كقارئ عليّ أن أتنازل عن مفاهيمي التي تربيت عليها لمجرد أن هناك مفاهيمًا أخرى في الحياة؟ أم أظل على طبيعتي التنمرية لمجرد أن عقديتي أو أيدولوجيتي تجبرني على ذلك قهرًا؟
فرانز كافكا قدم بورتريه أدبي (كَشفي) من الطراز الرفيع. اعتمد في أعماله على كشف حقيقة كل شيء، والنظر إلى كل مفهوم شائع، من زاوية أخرى، واقعية بعض الشيء. ستجد في أعماله الموت، الكره، التنمر، الظلم، الفرحة، وحتى الحب. كل شيء وأي شيء سابقًا قد وضعته في قوالب نمطية معينة، مع كافكا ستكتشف أنه يمكن تهشيم تلك القوالب تمامًا، وصنع قوالب أخرى تنتمي إلى أيدولوجيتك الجديدة، المتميزة بتقبل الاختلاف، والقدرة على التغيير بهدف التكيف مع الحياة العشوائية التي نعيش فيها.
نرشح لك قراءة: فلاسفة وكُتّاب تميزوا بكتاباتهم التشاؤمية
ما تأثير فرانز كافكا على الفنون؟
تخيل معي الآن أنك جالس في مقهى، حولك عشرات العشرات من الأفواه التي لا تكف عن الكلام، وتحيط بك سحابة دخان خانقة جدًا. لا تستطيع الخروج، لأنه بالخارج يوجد وحش يمكنه أكلك حيًّا بمجرد رؤيته لك. الوضع سيئ، أليس كذلك؟
ربما الوضع سيئ لك، لكن بالنسبة للكاتب فرانز كافكا لا، الوضع لم يكن بهذا السوء. استطاع فرانز التأقلم مع الوضع المأساوي الذي طالما عانى منه بداخل عقله. حيث قرر فجأة أن يقف في منتصف المقهى على كرسيّ، وشرع يخطب بصوتٍ عالٍ، غير عابئ بردود أفعال البشر من حوله. محاولته للتنفيس عن مشاعره ساهمت في تشجيع باقي روّاد المقهى على الوقوف كذلك، ومشاركته الخطاب المسموع. حتى تعالت الصيحات بشدة كأصوات الأوبرا، وتهشم زجاج المقهى، صامًا لأذنيّ الوحش المتواجد بالخارج، حتى ارتعد وفرّ هاربًا. ووقتها استطاع الجميع الخروج بسلام.
وقوف كافكا على الكرسيّ لأول مرة كان بمثابة رفرفة جناح فراشة في أقصى الشرق، لتؤدي بدورها إلى إعصارٍ مهول في أقصى الغرب. تأثير الفراشة هو تأثير فرانز كافكا على الفنون يا رفاق. إنه واحد من القلائل الذين قرروا التعبير عن أنفسهم عن طريق السيناريوهات التي يبغضها البشر نفسيًّا. على عكس جورج أورويل مثلًا، كافكا لم يهتم بتقديم قصصه من منظور السخرية السياسية، بل قدمها من منظور السخرية الإنسانية. سخر كافكا من الإنسان بالكامل، من أفعاله وأفكاره وأيدولوجياته. تلك السخرية نتج عنها نظرة سوداوية للحياة، وهذا تناقض بشدة مع نزعة البشر أنفسهم.
حيث أن النفس البشرية تريد أن تكون سعيدة على الدوام، هذا لا ضير فيه بالطبع. لكن المحاولة المستمرة لنيل السعادة، تجعل العقل يغفل عن الأشياء السيئة في العالم. تلك الأشياء التي إذا تم غض الطرف عنها لفترة طويلة، سوف تطغى على كل شيء حَسن وجميل في هذا العالم، مدمرة بالكامل مفهوم السعادة التي يبحث عنها الإنسان.
خروج فرانز كافكا عن محاولات البشر للبحث عن السعادة، ألهم الكثير من صنّاع الفن من بعده لتقديم نظرتهم الخاصة عن العالم أيضًا. لذلك كافكا بالنسبة لي هو الأب الروحي للفنون السوداوية حصرًا. كتاباته أثرت على أدباء، شعراء، مغنيين، رسامين، صنّاع ألعاب، راقصين، وآلاف الآلاف من صنّاع الفن الآخرين.
نرشح لك قراءة: أفضل عشرة أفلام مستوحاة من أعمال فرانز كافكا
مانجا طوكيو غول.. عندما يطغى فرانز كافكا على الفن الياباني!
إذا كنت لا تعرف ما هي المانجا، فهي عبارة عن قصص مصورة تُطبع على ورق، أو تنُشر إلكترونيًّا. وتتميز بأسلوب الرسم الخالي تمامًا من الألوان، وهو الفن المصور الأقدم والأبرز في تاريخ سرد القصص رسوميًّا، وهو الفن الذي بُنيت عليه الكوميكس الأمريكية في الأساس.
فن المانجا عريق للغاية، ويحتوي على آلاف الأعمال التي ساهمت في تشكيل الوعي الإنساني مع الوقت، بنفس قدر الأدب والسينما، إلخ. واحدة من أبرز المانجات المعاصرة هي مانجا Tokyo Ghoul – طوكيو غول، للمانجاكا العبقري تسوي إيشيدا. تم تحويل المانجا إلى أنمي، ومرَّ الأنمي بدوره على أكثر من استوديو، لكن تظل المانجا هي الأفضل دائمًا وأبدًا. حيث تميزت المانجا بأسلوب الرسم السوداوي والذي ازداد في الحِدة مع تصاعد الأحداث. وذلك الأسلوب السوداوي توافق تمامًا مع الأفكار الكئيبة التي طرحها المانجاكا على لسان شخصياته. وأبرز شخصياته هو البطل كانيكي كين، فتى يهوى القراءة وشرب القهوة.
دائمًا ما نجد تأثيرًا واضحًا لكتابات فرانز كافكا على المانجاكا، وبالتبعية على بطل المانجا. تدور قصة المانجا حول فتى يجد نفسه في يوم تحول إلى نصف إنسان ونصف غول، والغيلان في القصة كائنات لها نفس هيئة البشر، لكن تتغذى على اللحم البشري فقط. أي أنه تحول إلى هيئة مبغوضة في مجتمعه. بالضبط كما تحول جريغور سامسا إلى حشرة عملاقة، في رواية (المسخ) من كتابة فرانز كافكا بالطبع. كما أن أعمال كافكا متناثرة في صفحات المانجا إذا دققت النظر، وستجده مذكورًا على لسان الشخصيات ذاتها في القصة، والتي يتصادف أن بعضها يندرج أسفل شريحة الأدباء بالفعل.
نرشح لك قراءة: المسخ .. جولة كابوسية أخرى في عقل كافكا
فرانز كافكا هو أنت، أنا، وكل شخص أراد في يومٍ ما أن يقول للعالم: كفى عبثًا، متى يأتي النيزك ويمحي كل شيء!
فرانز كافكا سوداوي كئيب ساهم أدبه في إعلاء شأن الفنون جمعاء! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات