الحكايات الشعبية في الأدب نبتت من الخيال لتسكن الخيال!
الحكايات الشعبية في الأدب نبتت من الخيال لتسكن الخيال!
تحفل الحكايات الشعبية بالكثير من الغرائب والنوادر التي لا يمكن أن يصدق العقل حدوثها في وقتنا هذا، إلا أنه ينسحب في جوها الفانتازي مع متعة غير عادية محاطة بهالة من الرهبة واللذة مجتمعين. وإن كان في ثقافتنا العربية تنتشر تلك الحكايات الشعبية بتنوع غزير، إلا أن الحكايات الشعبية، بما فيها المدون في كتب الأدب الشعبي ومجلداته، هي من صميم التكوين الثقافي لكل الشعوب، خصوصًا الشعوب ذات الخلفيات الثقافية المتعددة والتنوع الحضاري الضارب في القدم.
الحكايات الشعبية في الأدب
لا يشتمل الأدب الشعبي على القصص والحكايات الخرافية، بل إنه يمتد ليشمل بداخله الأمثلة والعادات والنكتة الشفاهية وغير كل ذلك من الفلكلور الممتد من قديم الزمان والمتوارث عبر الأجيال المختلفة. وتعد قراءة الأدب الشعبي -الحكايات الشعبية خصوصًا- ليس عملًا ترفيهيًا، أو هروبًا إلى المتعة الفانتازية فقط، فبجانب تلك المتعة المؤكدة فإن القصص الشعبية تمنحنا مدخلًا إلى عمق نفسية الشعوب التي توارثتها، وتجسيدًا للصورة المتخيلة لكل شعب عن ذاته، كما أن الحكايات الشعبية لا تعد تأريخًا رسميًا، وإنما هي تأريخ موازي صعد من قلب الشوارع والأزقة ليناطح التاريخ الرسمي وليحجز مكانًا للبسطاء من الناس، معبرًا عن أمانيهم وآمالهم العريضة، وحتى المواعظ التي يودون بقائها حاضرة في نفوسهم دومًا.
الحكايات الشعبية من ثقافات مختلفة
ولقد بدأت الحكايات الشعبية بشكلٍ شفاهي، دون مؤلف معروف بعينه، أو مصدر بدأت من عنده، فهي خرجت من المخيلة لتستوطن المخيلة أيضًا. إلا أنه ومع مرور الزمن، تم تسجيل وتدوين كثير من الحكايات والقصص الشعبية وجمعها في كتب متخصصة، ودراستها أيضًا، خوفًا عليها من الاندثار مع اندثار الحكائين الشعبيين. ونطمح لتقديم عرض بسيط لعدة كتب عنيت بالحكايات الشعبية من ثقافات مختلفة.
غزلان الليل.. لأن الأمازيغ يعبرون عن أنفسهم أيضًا
يعاني الأمازيغ حاليًا في دول شمال أفريقيا للحصول على بعض الحقوق الأساسية كالاعتراف بلغتهم والحصول على الحكم الذاتي وغيرها من الحقوق. وبعيدًا عن المشكلات السياسية فقد نشر في يناير من العام 2019 كتاب “غزلان الليل”، ليعرض عددًا من الحكايات الشعبية الأمازيغية.
جمع الحكايات في البداية المتشرق “إميل لاوست” وهو فرنسي عمل مدرسًا للغة العربية والبربرية، حتى مات في المغرب سنة 1950. كان لاوست شغوفًا باللغة البربرية، خاصة وأنها تحمل في داخلها ثراءً موسيقيًا وتناغمًا كبيرًا، يجعل منها لغة شعرية وغنائية بامتياز.
يشتمل الكتاب على 21 قصة متنوعة. تحمل بعضها طابعًا رومانسيًا مثل: قصة يوسف عاشق الملكة، وقصة فاضل وعطوش، والحلاق العاشق. وتحمل بعض القصص طابعًا رمزيًا بشكل فكاهي محبب، وخاصة قصص الحيوانات كقصص أسطورة الغراب، العندليب، الأسد والإنسان، والفلاح والأسد. أما بعض القصص فهي تحمل إسقاطًا مباشرًا على الدين أو السلطة كقصص بومة مولاي سليمان، وسيدي سعيد أكيراموش، والقصة التي يحمل الكتاب عنوانها “غزلان الليل”.
ففي قصة غزلان الليل تلك يحدثنا راوي الحكاية عن ملك يتنكر ويسير ليلًا في طرقات مدينته، ليلتقي بثلاثة رجال يخبرونه أنهم غزلان الليل. ثم بمساعدة منه يستطيعون سرقة خزائن الذهب من قصره، ليكتشف فيما بعد أنهم المؤذن والإمام والفقيه، فيسعى لقطع رؤوسهم أو نفيهم من مملكته. في إشارة واضحة للالتباس الحاصل بين السلطة والدين في أوقات كثيرة من التاريخ. بالطبع لا يمكننا إنكار تأثر تلك الحكايات الأمازيغية بحكايات كليلة ودمنة، وحكايات ألف ليلة وليلة، وبالصراع بين التكوين الأمازيغي والعربي في شخصيات أبطال الحكايات الشعبية. إلا أنها تظل حكايات خفيفة جدًا، كما أسهمت الترجمة بشكل كبير في هذه الخفة.
نرشح لك قراءة: جولة ممتعة داخل كتاب الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة.. تراث عربي شيق!
بابا ياجا.. لأن الروس دائمًا سباقون
يشتهر الأدب الروسي في العالم أجمع بروائييه الكبار والمشهورين مثل ديستوفيسكي وتولستوي وغيرهم، ممن كانوا عمادًا لتأسيس فن الرواية والعبور به أشواطًا كبيرة، لكن الممتع أكثر أن الأدب الشعبي الروسي يتسم بنفس الثراء والقوة، حتى وإن كان غائبًا عنا كثيرًا من الحكايات الشعبية، بسبب نقص الترجمة.
في العام 2018 صدر كتاب “بابا ياجا” في ترجمته العربية، بعد ما يقارب القرن والنصف على طبعته الأولى. ففي منتصف القرن التاسع عشر، أدرك الكاتب “ألكسندر أفانسييف” أهمية الحكايات الشعبية وقوتها في التأثير على مخيلة الأطفال والمراهقين من أبناء شعبه الروسي، فظل يعمل عدة سنوات لجمع أكثر الحكايات الشعبية شهرة وتأثيرًا في الشعب، حتى استقر على 26 قصة، ضمنها في كتابه “بابا ياجا”.
نرشح لك قراءة: بابا ياجا – قصة الساحرة خاطفة الأطفال من الأدب الشعبي الروسي الغني
تتناص القصص الروسية في مجموعة “بابا ياجا” بشكل كبير وواضح جدًا مع بقية قصص المخيال الشعبي الأوروبي، خاصة تلك التي جمعها “الأخوان جريم” والتي باتت تعرف منسوبة إليهما. فمثلًا في قصة بابا ياجا التي تحمل المجموعة عنوانها، تدور الحكاية حول فتاة لا نعرف اسمها، لكنها تتعرض لمكيدة بهدف القضاء عليها من زوجة أبيها الشريرة التي ترسلها إلى منزل الساحرة بابا ياجا، وهي ساحرة شريرة تسكن الغابة، لكن الفتاة تذهب أولًا إلى خالتها التي تقدم لها مساعدة بطريقة فانتازية فتتمكن من إنقاذها من براثن الساحرة الشريرة. عند الانتهاء من قراءة القصة، سيتبادر إلى الذهن فورًا قصص مشابهة في الجو والاحداث، كقصة السندريلا وسنووايت والأميرة النائمة، وغيرها من قصص الأخوان جريم التي اقتبستها ديزني وصنعت منها قصص الأميرات الشهيرة.
برغم ذلك التناص، إلا أن قصص المجموعة تحمل في داخلها طابعًا روسيًا واضحًا، يعبر عن جو ذلك البلد البارد، وطابعه الريفي البسيط، مع الانتصار لذكاء المرأة الروسية بكونها عنصرًا حاذقًا وفعالًا في معظم القصص تقريبًا. وقد تبدو السمة الأبرز في القصص هي الموعظة واقتناص الحكمة من المواقف المختلفة. كانت الترجمة سلسة جدًا، ومساعدة في فهم القصص والاستمتاع بها، ويجدر الإشارة أن الكتاب قد حصد جائزة أفضل كتاب مترجم في عام صدوره.
77 حكاية مجرية.. لأن قلوب الأطفال هي موطن الحكايات
قد يكون أشهر شيء وصل إلينا من المجر هو مكعب روبيك. ولأن اللغة المجرية لغة صعبة، ولا تتشابه في أشياء كثيرة مع اللغات المحيطة بها، كانت الترجمة منها وإليها صعبة جدًا، حتى صدر كتاب “77 حكاية مجرية“ في العام 2015 عن المركز القومي للترجمة في مصر.
في الواقع فإن المجر هي واحدة من دول وسط أوروبا، في إقليم حوض الكاربات، تلك المنطقة التي كانت موطنًا لأحد أكثر قصص الرعب شهرة ودموية على مر التاريخ، وهي قصة دراكولا مصاص الدماء. إلا أن كتاب الحكايات المجرية يقدم لنا وجبة كبيرة جدًا من أرق القصص وأظرفها على الإطلاق.
عمل على جمع تلك الحكايات الشعبية الشاعر “جولا إياش” وهو واحد من أهم شعراء المجر في القرن العشرين. كان جولا إياش قد نشأ في بيئة ريفية من قلب الريف المجري، ثم عاش حياة متخبطة أمنيًا بسبب نشاطه اليساري بعد التحاقه بالجامعة، حتى هدأت حياته في أواخرها عندما صار رمزًا أدبيًا للمجر. سعى جولا إياش لجمع هذه القصص وتنسيقها وحفظها في المكتبة المجرية إيمانًا منه بتعددية الأمة المجرية وثرائها، وانغماسه في اللغة حتى الهيام بها.
تتنوع الحكايات في الكتاب بين أبطالها وأحداثها، حتى وإن تكررت بعض أشكال القصص، إلا أنها لا تزال تحتفظ بطعم مرح يميز كل قصة عن الأخرى. كانت معظم القصص بسيطة في عقدتها، ومباشرة قليلًا في الموعظة المرجوة منها، لأنها بالأساس حكايات أطفال، ولذلك يطغى عليها طابع كبير من الرقة والفكاهة حتى قيل عن هذا الكتاب أنه لا يخلو منه قلب طفل مجري.
إلا أن بعض القصص كان فيها أحداث وحبكات ملتوية قليلًا، بل وتتقاطع بشكل صريح مع حبكات القصص الشعبية المختلفة، وخصوصًا “ألف ليلة وليلة”.
فمثلًا في قصة “الرجل ذو الرأس الوردة” تدور الحكاية حول ولي العهد الذي ينفيه والده في مملكة مجاورة لأنه أطلق سراح الجني الذي كان يسرق الماء. لكن في الطريق إلى المنفى يتشاور الحارس مع السارق حتى يبدلا مع ولي العهد، فيكون الحارس هو ولي العهد، والسائق هو الحارس، وولي العهد هو السائق، حتى إذا وصلوا إلى ملك المملكة المجاورة استطاعوا خداعه والظفر بالأموال منه. تستمر الرحلة بالمكائد الكثيرة لولي العهد المغلوب على أمره، والذي تضيق به الحياة من تلك المكائد التي تترصده، حتى يحاول رمي نفسه من فوق الجبل، فيظهر له الجني على هيئة رجل ذئ رأس وردة، فيساعده على حل مشاكله والعودة إلى الديار.
وكذلك فإن كثير من الحكايات في الأدب الشعبي تتناص بشكل كبير، وتقدم لنا متعة كبيرة في قراءتها وفهمها، كأن الحكايات هي الشيء الوحيد الذي اتفقت كل الشعوب على الانغماس فيه.
الحكايات الشعبية في الأدب نبتت من الخيال لتسكن الخيال! بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات