أنا مثلك وأنت مثلي: اختلافنا الفكري يوحدنا والقطيع العربي يمزقنا
أنا مثلك وأنت مثلي: اختلافنا الفكري يوحدنا والقطيع العربي يمزقنا
هذا المقال ليس كسائر المقالات التي في العادة تقرأها في أراجيك سريعًا، ثم تذهب لتُكمل مهامك اليومية في رتابة معهودة. هذا المقال ربما يجعلك ثائرًا على الواقع العربي للحظة، ربما يدفعك للتفكير في الواقع من حولك، وربما يجعلك ناقمًا على حياتك، وربما أيضًا يدفعك لتهديدي بشكلٍ ما. في الواقع، لا أعلم تأثير هذا المقال عليك، لكن كل كلمة ستُكتب هنا تمثلني، تمثل ذاتي ووجودي وأفكاري ورغبتي في صنع تغيير، تمثل أحمد سامي.
منذ أيام، اقترح عليّ يوتيوب أغنية جديدة، وبالصدفة كانت لفرانك سانترا، المغني الكلاسيكي المفضل لديّ. كانت الأغنية تحت عنوان (إذا ذهبت – If You Go Away). آهٍ يا عزيزي، هذا الرجل يعرف فعلًا كيف يقوم ببث الحياة في الكلمات. مخارج ألفاظه وتنقله من طبقة صوتية لأخرى، كفيل بجعلك تبكي على الفور. تتحدث الأغنية عن حبيب يناجي حبيبه، ويترجّاه أن يبقى، شارعًا في سرد كل الأشياء الجميلة التي سيفعلها معه إذا بقى بجانبه. لكن سرعان ما يتقبل حقيقة ذهابه. ووقتها يبدأ في تخيل الحياة من بعده، كيف ستكون.
حتى يصل إلى طلب أخير:
أرجوك، لا تذهب.
الأغنية تبدو رومانسية حزينة، لكن وَقعها عليّ كان مختلفًا. شعرت أن فرانك هو أنا. شعرت أنني أناجي نفسي الماضية وأرجوها أن تبقى. بالماضي كنت سعيدًا، أو هكذا اعتقدت على كل حال. لم يكن بالي مشغولًا بالفواتير ومواعيد العمل والعلاقات البشرية المعقدة. كنت مجرد طالب من طلاب الوطن العربي في المرحلة الإعدادية. مجرد طالب يحاول أن يصير الأول على الصف كي يُرضي أهله، وربما كي يأخذ 10 جنيهات ليشتري قطعة حلوى أرادها منذ أسابيع. الآن أنا شخص شارف على بلوغ عامه الـ 22، الآن أنا شخص حزين، والآن أنا شخص لا يعلم إلى أين يجب أن يذهب، أو كيف يجب أن يتصرف.
اقرأ أيضًا: هيغل وجدلية السيد والعبد: عندما تطعن الفلسفة في تسلط الإنسان
لكن لا، أنا لست مريضًا لا يعرف سبب مرضه. سبب مرضي هو أخطاء الماضي، والنتائج التي ترتبت عليها. تخيل معي أن ترتبط بأحدهم في يومٍ ما، وهذا الشخص يكون هو التجربة الإنسانية الأولى لك في الحياة، حتى وضعت روحك معه وأنت مرتاح البال. ليتضح في النهاية أن هذا الشخص خائن، وعمل على تمزيق روحك تمزيقًا، ماذا ستفعل؟ تخيل أن كل هذا حدث لك في فترة حيوية جدًا من حياتك، فترة الإعدادية والثانوية، الأمر مُحزن فعلًا. وقتها تساءلت، هل العيب فيّ أنا؟ هل أنا سيئ؟ هل تحقيقي لفطرة وجودي كانت سببًا في قهر المجتمع لي؟ هل حقيقة مشاعري وتصرفاتي وأفكاري مسوِّغ للمجتمع كي يلقي عليّ أحكامًا تهدر كرامتي؟
لا أعلم في الواقع، وحتى الآن لا أعلم. تخيل أنني اخترعت صديقًا خياليًّا لنفسي، أبث له شكواي؟ أجل، وأسميته (ظلي الخافت – My Mere Shadow). مرت السنون، والآن أنا في عامي الأخير بالجامعة. أتدري ما الذي اكتشفته بعد كل تلك السنين وكل تلك التجارب في وطننا العربي الصغير؟
أنا مختلف.
اختلافي عن المجتمع العربي هو السبب الرئيسي في تعاستي. لا يمكن لسمكة أن تسبح وحيدة عكس التيار، فالتيار بدون شك سيسحقها بلا رحمة. لا يهم مدى ذكائك واتقاد ذهنك ومهارتك، طالما أنت في سيرك، ستظل دائمًا في رتبة البهلوان. أنا للأسف مختلف، أنا ذكي، أنا لامع، أنا لديّ مهارات قادرة على تحريك جبال وتغيير مصير دول كاملة. بداخلي طاقة للإبداع والتغيير وجعل العالم مكانًا أفضل لنا جميعًا، طاقة لا يمكن لأحد أن يضع لها حدًا. لكن للأسف، مجتمعي لا يتقبلني. مهما حاولت التأقلم؛ أفشل. مهما حاولت الهرب؛ أفشل. ومهما حاولت الانتحار؛ أيضًا أفشل.
أتعلمون ما هي المشكلة فعلًا؟ المشكلة ليست فيّ، ولا في الناس. المشكلة في المبادئ الأيدولوجية التي يتبعها أبناء الوطن العربي بالتوارث. العقلية العربية ترفض كل ما هو مختلف عنها، والمرجع الاستنادي دائمًا يكون هو الأيدولوجية اللاهوتية. في حين أنها في حد ذاتها، متغيرة من شخص لشخص، ولا يمكن تعميمها، أو استخدامها كأداة مرجعية في الأحكام القانونية، أو الشؤون السياسية.
أنا إنسان، وللإنسان حقوق تُذهبها الأيدولوجيات مهما كانت مسالمة من الخارج. ستظل العدائية عدائية، مهما تلحفت برداء الحضارة والمدنية الحديثة. مات فرج فودة مدافعًا عن مدنية الدولة، أفنى الجابري عمره في صنع جسر بين العلمانية واللاهوتية، وحاولت نوال السعداوي على الدوام تحقيق المساواة بين الجنسين. وها أنا ذا، ولأول مرة، أحاول التعبير عن نفسي. كتبت أكثر من 400 مقال على الإنترنت خلال 3 سنوات من عمري، والآن لأول مرة فعلًا أكتب مقالًا يكشف دواخلي.
اقرأ أيضًا: فرانز كافكا سوداوي كئيب ساهم أدبه في إعلاء شأن الفنون جمعاء!
رفض المجتمع لأفكاري وتصرفاتي السلمية هو الذي أحزنني، وأبقاني مغلولًا في وطني. أتدري، إذا تعلَّم فقط الناس كيف يحترمون الطرف الآخر بعض النظر عن أيدولوجيته أو تصرفاته، سنكون مجتمعًا أفضل. فقط إذا تسامح الناس مع نفسهم قليلًا، صدقني، لن تكون هناك نزاعات ولا صراخ. لن يكون هناك اغتصاب ولا قتل ولا تنمر ولا اعتداء ولا ظلم ولا بغض. كل هذا يأتي فقط من تدخل الناس في شؤون غيرهم بالقهر، مقادين بالأيدولوجية التي غذَّت عقولهم، أجيالًا خلف أجيال. اتركوني أكون نفسي، اتركوني أحقق ذاتي، اتركوني سعيدًا ولو للحظة واحدة في حياتي القصيرة!
والأسوأ من كل ما سبق، أنك إذا لجأت لمواقع التواصل الاجتماعي المنتمية للوطن العربي يا صديقي، لن تسلم من شرورهم كذلك. حتى محاولة خلق فقاعة افتراضية لتحتمي فيها، هذا لا ينجح أيضًا. ستجدهم خلفك على الدوام، بعاداتهم البالية وأحكامهم العدائية. ستراهم واقفين على نواصي المنشورات حاملين لوحات المفاتيح التي تُسطر عليها كلمات الكراهية كالطائرات النفاثة. هم يرون المختلف على أنه آفة يجب التخلص منها، مجرد حشرة لا فائدة لها في السلسلة الغذائية.
وفي النهاية ماذا يجب أن يحدث للمختلف في الوطن العربي الصغير؟ إما أن يحاول ارتداء قناع البهلوان طيلة حياته، أو يحاول جاهدًا الهروب من السيرك المحبوس فيه. لكن للأسف، البقاء خانق، والهروب شبه مستحيل، لذلك تجد مئات الشباب حولك كل يوم ينتحرون. سئموا هذه الحياة بكل ما فيها، لم يعد لهم مكان بها بعد الآن. الحياة من المفترض أن تكون رحلة جميلة، قطار تركبه صارخًا، وتتركه مبتسمًا. هناك شباب قرروا القفز من القطار في المنتصف، لأن نهاية الخطّ هي التعاسة على كل حال.
للأسف الآن لا أستطيع إدخال البشر إلى حياتي، دائمًا ما يوجد حائط بالداخل لا يمكن لأحد أن ينظر لما خلفه، لا يمكن لأحد أن يمتلك مفاتيح روحي مرة أخرى. لأنه إذا فعل، سيذهب مثلما ذهب غيره، آخذًا جزءًا من روحي معه، وتاركًا روحي مبتورة، كالعادة. أخاف من التشبث، لأن التشبث نهايته الفقد. في هذا المجتمع، في هذا الوطن، وفي هذه البلاد، السلام مجرد حلم. سلامك النفسي؛ حلم. سلامك الجسدي؛ حلم. وسلامك الفِكري؛ أيضًا حلم.
كلماتي قصدت أن أجعلها عامة بقدر المستطاع، لم أذكر تفاصيلًا دقيقة عن حياتي. وهذا له هدف، والهدف هو أن تجد نفسك في كلماتي وسطوري وفقراتي. أنت بالتأكيد مثلي، مغلول ولا تستطيع الهرب. لكن لا تقلق، على الأقل هناك من هو مثلك في هذا العالم، هناك من هو حانق وثائر، لكن لا يتحدث.
تذكر دائمًا..
أنا مثلك، وأنت مثلي.
أنا مثلك وأنت مثلي: اختلافنا الفكري يوحدنا والقطيع العربي يمزقنا بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات