سيل من النصائح لتجاوز تبعات التباعد الاجتماعي .. ما الأفضل برأي العلم والفلسفة؟
سيل من النصائح لتجاوز تبعات التباعد الاجتماعي .. ما الأفضل برأي العلم والفلسفة؟
قبل بضعة أشهر من الآن بدأنا نسمع عن فيروس كورونا، وبسرعة وجدنا هذا الفيروس الذي كان يقتصر وجوده على الصين ينتقل بسرعة كبيرة إلى العالم بأكمله، والخبر الذي كنت تسمعه يحدث في بلدة بعيدة، أصبحت تراه في شارعك أنت أو حتى في منزلك.
بسبب هذه التطورات السريعة، اضطرت الحكومات أن تفرض بعض القرارات بهدف إبطاء انتشار الفيروس، وتقليل حيز انتشاره، وهنا كنا نجد نصائح حول غسل اليدين وما إلى ذلك من النصائح التي تخص النظافة، لكن القرار الذي كان هناك تعامل معه بجدية كبيرة هو التباعد الاجتماعي، وهو قرار ضد الطبيعة البشرية لكنه الحل الوحيد لعبور هذه الجائحة.
التباعد الاجتماعي.. البداية
مع بداية ظهور الفيروس، كانت الدول الكبرى تحاول أخذ رأي الخبراء، وذلك حتى نعبر الجائحة بأقل الخسائر، وهنا كنا نجد منظمة الصحة العالمية، هي المكان الأول والموثوق الذي نعتمد عليه في أخذ معلوماتنا حول الفيروس، وقد اقترحت منظمة الصحة العالمية أكثر من حل، وتم استحسان اثنين من هذه الحلول بشكل كبير.
الحل الأول: هو التباعد الاجتماعي ، فالفيروس ينتقل من إنسان لآخر بسهولة، وبالتالي عند إبعاد البشر عن بعضهم البعض، لن يجد الفيروس ما ينتقل إليه.
الحل الثاني: هو مناعة القطيع، ويعتبر هذا هو الأفضل للدول التي تريد أن تعبر الحادث بسرعة مهما كانت الخسائر، ويعتمد الحل على نقل الفيروس بسرعة من إنسان لآخر، حتى نصل لمرحلة لا يجد الفيروس إنسان جديد ينتقل إليه، البعض سيموت بالتأكيد، ولكن الباقي سيكتسب مناعة، وهكذا حُلت المشكلة.
الحظر قرار العقل الذي فرض نفسه
بعد فحص الأرقام الأولية التي تخص كافة تفاصيل الفيروس، وُجد أن بعض الدول وصلت فيها نسبة الوفيات إلى 10%، وهنا كان من الصعب على أي إنسان أن يتخذ قرارًا يذهب ضحيته ملايين البشر، وهذا القرار هو مناعة القطيع، لذلك اضطرت الحكومات لفرض الحظر بالقوة، وفي أيام قليلة، وجدنا ملايين البشر حول العالم يجلسون في منازلهم، المصانع تغلق، والمتاجر تفتح قليلًا، والمواصلات لا تعمل معظم الوقت، فجأة وقف المحرك الذي يحرك العالم.
سعادة قريبة وحزن بعيد
مع بداية فرض الحظر بالقوة، كانت هناك تأثيرات مختلفة على البشر، فهناك فئة فرحت كثيرًا بالحظر، أخيرًا لن نذهب للجامعات ولا المدارس، أخيرًا ستنتهي معظم المسؤوليات بنفسها دون حتى أن ننهيها، حتى الشاب الذي كان يؤجل الذهاب للصالة الرياضية كل يوم وجد عذرًا يريح الضمير، لكن وأثناء هذه الفرحة بين فئات معينة، كانت هناك فئات أخرى تخسر وظائفها ولا تعرف كيف ستُمضي الأيام القادمة، هذا بالطبع غير كبار السن وتأكيد الأطباء على عدم الذهاب إليهم، مما جعلهم أكثر الفئات المتضررة.
الوقت يفسد كل شيء
لم يمر الكثير من الوقت، حتى بدأ اليأس يتسلل إلى قلوب الجميع، حتى أولئك الذين فرحوا بالراحة والبقاء في المنزل، بدأ القلق يدق بابهم بقوة، بعد مرور بعض الوقت تصبح الأشياء مملة؛ في البداية يعرف الإنسان شيئًا جديدًا ويفرح به، تبدأ هرمونات السعادة بالانتشار في الجسد، بعد وقت معين يعتاد الإنسان على هذه الهرمونات فيحتاج للتغيير، يحتاج لشيء جديد، وهنا تكمن مشكلة البقاء في المنزل عند معظم الناس، لكن هنا أيضًا يكمن الحل السحري.
محاولة إيجاد حل
وقت قراءتك لهذا المقال، ستجد أن الكثير من دول العالم قد بدأت بإلغاء الحظر مرة أخرى، لكن حتى بعد إلغاء الحظر لم تتحسن الأوضاع كثيرًا فالحكومات ما زالت تنصح المواطنين بالنزول للضرورة فقط، وحتى عند النزول للشوارع، فما زلنا نشعر أن الخطر يحيط بنا، لذلك ما زلنا نحتاج إلى حل نتعامل به مع الوضع الحالي، والحلول التي سأدرجها في الفقرات القادمة، لن تقف فقط عند محاولة تعدي الأزمة الحالية، بل يمكن استعمال هذه الحلول دائمًا من أجل الحصول على حياة أفضل وأكثر سعادة.
الحل الأمثل
أفضل حل في هذه الأزمة أن تقترب من نفسك أكثر، تعتبر رحلة الاقتراب من النفس من أهم الرحلات في حياة الإنسان، ومن أهم المواضيع التي شغلت المفكرين والفلاسفة، ولكن مشكلة عصرنا الحالي أنه لا يسمح لنا بالاقتراب من أنفسنا بالشكل الكافي، نجد أن العالم يمشي بخطوات سريعة جدًا، ونرى أن معظم حياتنا تمر وما زلنا لا نعرف من نحن، وهذه النقطة تحديدًا كانت مصدر التفاؤل الذي ارتكز علماء النفس عليه، وذلك حيث وجدوا أن الوقت الكبير الذي يقضيه الإنسان في منزله سيساعده بشكل كبير على معرفة الكثير من الأشياء التي لم يكن يعرفها عن نفسه؛ وفي الفقرات القادمة سأضع بعض الأنشطة التي ستساعدك في هذه الرحلة.
سلافوي جيجك ودليل النجاة
قبل ثلاثة أشهر من الآن قام الفيلسوف الكبير سلافوي جيجك بنشر مقالة بعنوان “دليل النجاة من الحجر في زمن كوفيد-19″، وفي هذا المقال أشار جيجك إلى أن محاولات التعاون بين البشر وخلق مجتمعات صغيرة تعتبر حلًا جيدًا لتجنب حدوث بارانويا أثناء فترات التباعد الاجتماعي، لكن كيف يمكن أن يحدث تعاون أثناء التباعد؟
هنا يقترح بعض علماء النفس أن محاولات تقوية وسائل التواصل بيننا تعتبر حلًا جيدًا، فإذا كنت شخصًا يحب التواصل عن طريق الكتابة، يمكنك تجربة التواصل الصوتي، أو حتى التواصل عن طريق الصوت والصورة، وببساطة هاتفك يسمح لك اليوم بخلق هذه المجتمعات التي ستساعدك على عبور هذه الأزمة، ويعتبر عالم الاجتماع والطبيب نيكولاس كريستاكيس أننا محظوظون لوجودنا في هذا الوقت من تاريخ العالم، وذلك بسبب انتشار وسائل التواصل التي ستساعدنا في مواجهة التباعد.
حاول النجاة ولا تضغط على نفسك
يقول جيجك إن الوقت الذي ينتشر فيه فيروس قاتل في العالم بأكمله، لا يعتبر وقتًا جيدًا للتفكير في الأزمات الوجودية والحياتية الكبرى، الأمر لا يحتاج إلى مزيد من التعقيد، لذلك يقترح جيجك حل جيد للغاية وهو “الانخراط في الأنشطة العادية” ويقصد هنا أن تقوم بالأنشطة الروتينية البسيطة، تنظف المنزل، تطبخ الطعام، تشتري نبتة جديدة، وبالطبع يمكنك مشاهدة مسلسل تلفزيوني طويل ويفضل أن يكون مسلسل كوميدي مثل Friends، أو The Office.
يمكن للأشياء التي تتابعها أن تتغير حسب اهتمامك، فيمكنك متابعة بودكاست عن تاريخ العالم، أو تاريخ الحروب وما إلى ذلك، ويمكنك مشاركة هذه الأنشطة مع أحد من أصدقائك وهو في منزله، وذلك حيث نحتاج نحن البشر لما يعرف “بالانفعال الاجتماعي” كما يقول عالم الاجتماع إميل دوركهايم، وهو أن تتشارك مجموعة الاهتمام بشيء معين.
بعض الاقتراحات العلمية
أكد أستاذ علم النفس هاني هنري في تصريح له، أن أفضل ما يمكن أن يفعله الإنسان في هذه الأوقات، هو المرونة النفسية، أي يحاول أن يتأقلم مع الأوضاع المتغيرة بخلق بيئةٍ جديدة له، وجدير بالذكر هنا ذكر مثال قد أورده سلافوي جيجك عندما قال تخيل نفسك في فيلم life is beautiful، ونجد في هذا الفيلم الوالد الذي ذهب هو وابنه إلى معتقلات هتلر، وبالرغم من كل البشاعة والموت هناك، إلا أن الأب استطاع أن يقنع طفله أن كل ما يحدث عبارة عن لعبة ضخمة، ويجب أن نفوز بها، ونمثل معهم، وهكذا يمكنك أنت أيضًا أنت تبرمج حياتك بأكثر من طريقة بشكل يجعلك تمتلك من المرونة ما يكفي لتخطي أي أزمة تحدث.
على الرغم من أن معظم الناس يهدرون معظم وقتهم أمام التلفاز لمشاهد التطورات والأخبار الجديدة عن الفيروس، إلا أن الخبراء يفضلون أن نقوم بالعكس تماما، يجب عليك إغلاق التلفاز وعدم متابعة الأخبار السيئة، وإذا كنت تخاف من انفصالك عن العالم يمكنك تقليل الوقت الذي تقضيه أمام نشرات الأخبار قدر المستطاع، فمحاولة الاقتراب من التفاؤل والبعد عن كل ما هو سلبي ستساعدك كثيرًا في الخروج من هذه الجائحة بأفضل حال.
يمكنك أيضًا البدء في القراءة، وإذا كنت تقرأ يمكنك تجربة كتاب جدد ونوع جديد من القراءة لم تفكر من قبل أن تقرأ فيه، وبالطبع إذا كنت شخصًا لا يحب القراءة، ولا تشعر بالحماس لخوض هذه التجربة، يمكنك دومًا تجربة أشياء مختلفة مثل مشاهدة أفلام لطيفة عن الحياة ويمكنك هنا مشاهدة أعمال المخرج وودي آلين، أو يمكنك مشاهدة أفلام طويلة المدة حتى تغرق في أحداثها، ويمكنك البدء بالأفلام المعروفة والتي سوف تضعك في مزاج وحالة شعورية جيدة، مثل أفلام هاري بوتر أو سيد الخواتم.
بالحديث عن القراءة، يجب أن نتحدث أيضًا عن الكتابة، والتي تعد من أهم الأشياء التي يمكن أن تقوم بها، والكتابة يمكن أن تستعمل لأكثر من غرض، يمكنك أن تكتب يومياتك فقط، أو تعبر على الأوراق عن مشاعرك وتقيم نفسك، أو تقوم بالكتابة الفنية، مثل كتابة قصة أو رواية، ونجد أن بعض أشهر الأعمال الأدبية قد خرجت وقت الأوبئة والأمراض، مثل: الطاعون لألبير كامو، وحكايات كانتربري، ودفتر أحوال عام الطاعون؛ أما إذا كنت لا تحب الكتابة فيمكنك أن تبحث عن ما يؤثر فيك وفي مشاعرك، يمكن البدء بممارسة الرياضة، أو اليوجا، أو أي نشاط يمكنه أن يضعك في حالٍ أفضل.
وهكذا أكون قد وضحت أهم النقاط، التي ستساعدك لتجاوز أزمة فيروس كورونا بأقل ضرر، بالطبع قبل بدء المقال يتوقع بعض الناس حلًا سحريًا، أو خطوة يمكنني كتابتها ستقلب الحياة رأسًا على عقب، لكن لا يوجد في الحياة شيء مثل هذا، وكل النصائح التي يقدمها الخبراء، سواءً من العلماء، أو المفكرين، تكون النصائح بسيطة للغاية، مثل حافظ على روتينك، أو أقرأ كتاب، أو تعلم مهارة جديدة، والذي يجب توضيحه هنا أن المتعة لا تأتي من المرة الأولى، فبعد شهر من القراءة أو الكتابة أو تعلم مهارة جديدة، ستدرك حينها ما فائدة هذه النصائح، لذلك تذكر أن أهم أمر في هذه النصائح هو المواظبة عليها، وتذكر أيضًا أنك أكثر حظًا من إنسان عاصر الأوبئة في وقت لم يكن اخترع الإنسان فيه شيء يساعده وقت التباعد.
سيل من النصائح لتجاوز تبعات التباعد الاجتماعي .. ما الأفضل برأي العلم والفلسفة؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات