أحدث الاخبار

بعد تصريحات يوسف الشريف الأخيرة .. هل يجب أن نضع قيودًا على السينما؟

بعد تصريحات يوسف الشريف الأخيرة .. هل يجب أن نضع قيودًا على السينما؟



يوسف الشريف

شهدت السنوات الأخيرة في مصر جدلًا واسعًا حول الممثل يوسف الشريف، وذلك بسبب مسلسلاته وأدواره الجديدة والتي تعتبر مختلفة عن اللون العربي المعتاد، وقد حظي الممثل بشعبية كبيرة نتيجة كثرة الحديث عنه سواءً كان هذا الحديث بالسلب أو الإيجاب، وظل الأمر هكذا حتى شهر رمضان الفائت، وذلك حيث فاجأنا الممثل بمسلسل “النهاية”، المسلسل لون جديد أيضًا على الشاشة العربية، لكنه يتفوق على مسلسلاته السابقة لتشابهه الكبير مع المسلسلات الأمريكية، وذلك بسبب الخيال العلمي والتطور الكبير في الصور المقدمة ومعالجتها ببرامج الكمبيوتر المختلفة، لكن وبالرغم من الجهد المبذول لم يثر يوسف الشريف الجدل هذه المرة بسبب المسلسل بقدر ما أثاره بسبب شروطه التي يضعها عند الاشتراك في مسلسل جديد.

بداية هذا التطاحن والانقسام

في حلقة من حلقات مسلسل النهاية قام يوسف الشريف بقول بعض الكلمات الرومانسية، وفي يوم نزول هذه الحلقة ليلًا بدأت مجموعة من جمهور المسلسل بتداول منشورات مفادُها أن الممثل لم يوافق على قول هذه الكلمات بل استعان بشخص آخر ليقوم بالتعليق الصوتي بدلًا منه وتم ذلك في هذا المشهد فقط، وسواءً كانت هذه إشاعات أم حقيقة لم يمر الكثير من الوقت حتى صرح الممثل بشكل واضح أنه يقوم بوضع شروط معينة في عقوده قبل البدء في أي عمل، وهذه الشروط على حد تعبيره هي “رفضه القيام بمشاهد ساخنة” وأوضح بعد ذلك أنه يقصد القُبلات والأحضان.

من لقاء يوسف الشريف في قناة dmc

وفي لقاء قريب مع الإعلامي رامي رضوان على قناة “dmc” صرح مرة أخرى أنه يرفض هذه المشاهد وتمثيلها، وأوضح أنه بعد تمثيله في فيلم “هي فوضى” عام 2007 وجد أن والديه لم يحبا دوره وذلك بسبب مشاهده فيه “المشاهد الساخنة” وهنا قرر الممثل أن يترك هذه المشاهد للأبد بسبب أهله بالإضافة إلى ضميره الديني، على الرغم من بساطة القرار إلى أنه قد جعل الوسط الفني في مصر ينقسم بشكل غريب، وقد هوجم يوسف الشريف بشكل شرس كما وجد الكثير من الفنانين يقفون بجانبه ويشجعونه على شجاعته، وبما أننا من عشاق السينما يجب أن نتسأل هل قرار يوسف الشريف قرار صحيح؟

أنت حر ما لم تضر

تحت هذه المقولة البسيطة حلول لنصف مشاكل الحياة، لكن المشكلة أن الناس تتعامل مع المقولة بشكل سطحي ولا يعيروها الأهمية التي تستحقها، دعونا نفند هذه الجملة حتى نخرج برأي خالٍ من العصبية؛ البشر مختلفون بشكل كبير جدًا ويرجع ذلك لاختلاف مكان وزمان الولادة، كما يرجع لاختلاف بيئة التنشئة وطرق التربية، والمعلومات التي يتعرض لها الإنسان خلال حياته وطرق معالجته لهذه المعلومات، كل تجربة تُخرج لنا إنسانًا مختلفًا هذا الإنسان هو كائنٌ متكاملٌ وقائمٌ بذاته، كل إنسان هو التجربة الكاملة في حياته.

كما ذكرنا سابقًا إذا حاولنا معرفة السبب وراء قرار الممثل سنجده متأثرًا بسببين الأول هو أهله -المعتقدات السائدة في المجتمع- والسبب الثاني هو الدين -المعتقدات والمبادئ الشخصية- وإذا نظرنا للتجربة سنرى أن عادات المجتمع المصري هي عادات تميل إلى كل ما هو محافظ، أما من ناحية المعتقدات الشخصية فالأمر يرجع إلى نظرة كل إنسان للحياة، ومن هنا يصعب أن نحتكر الرأي ونجبر العالم أن يسير على رأي واحد فقط نرى أنه الصواب.

على عكس هذا نجد إنسان ينشأ في بيئة منفتحة تميل في إتجاهات ضد الاتجاهات المحافظة، كما نجد أن معتقدات هذا الإنسان تميل إلى التحرر وفعل أي شيء بلا حساب، هنا أيضًا سيكون من الخطأ أن نحجر على رأي هذا الإنسان وتصرفاته؛ وأحيانا نجد إنسانًا متمردًا بطبعه متمرد على كل ما هو سائد لا يريد أن يتقبل شيء من السائد والمألوف يود الانتقاد والهدم وفقًا لرؤيته التي يراها؛ كل شخص من الثلاثة السابقين هو شخص له تجربته الكاملة وقد اختار منهجه في الحياة بعد رحلة طويلة ومهاجمة رأيه لأنه لا يناسبنا سيقوم بخلق مشكلة كبيرة هي محور هذا المقال.

أفضل أعمال يوسف الشريف: الذكي الموهوب الذي جعل الغموض والتشويق ماركته المسجلة

الفن حر متى قيدته فقدته

يعرف الكثير من الناس كلامي السابق وليس هو المشكلة بل مشكلتهم أنهم لا يتخيلون الفن إلا حرًا، الفن كالعصافير يجب أن يحلق ويرتفع، وبمهارة الفنان يذهب فنه لأماكن جديدة إلى خلف السحب، وإلى باطن الضباب والمجهول، يخترق عوالم السماوات والأرض، يصف لنا العجوز الحزينة، والعاشق السعيد، والمفكر المحموم بأفكاره، ومحاولة تقييد الفن بأي شكل تعتبر عبثًا وبدعة فنية، لكن الحقيقة نحن لا نملك صورة واحدة يجب أن نركن إليها لأنها هي الصورة الحرة للفن وأي صورة مخالفة لن يتم الاعتراف بها.

لوحة من لوحات بيكاسو

الحقيقة إذا حاول جميع الفنانين صناعة الفن بشكل حر وبالقواعد المألوفة التي نعرفها عن الحرية سيقعون في شباك التكرار والرتابة، وستصبح كل الأعمال الفنية واحدة وهنا سيفقد الفن روحه وجوهره، فمثلًا للشعر العربي القديم عبقرية فنية منقطعة النظير، وعلى الرغم من هذا فالكثير من الأفكار بدائية ورجعية؛ الماركيز دو ساد مثلًا أديب في أدبه الكثير من الفلسفة وعلى الرغم من هذا فالكثير من أعماله تعتبر جرائم في عالمنا الحديث، وهكذا مثلًا اللوحات التكعيبية عند بيكاسو، واللوحات السيريالية لسلفادور دالي، كل هذه الأسماء والمدارس الفنية أثارت الكثير من الجدل وهاجمها الكثير من الناس، لكن في النهاية ستجدهم جميعًا يشكلون ما يعرف بالفن، بالطبع ما زال هناك حولهم لكن هذا ما يشكل الفن.

الحرية كلمة يصعب تعريفها كما يصعب أن نطلق على عمل فني أنه حر، فقد يكتب كاتبان نفس القصة أحدهما يكتبها بنفس طريقة الآخر ولكن الكاتب الأول حر والثاني مقيد بأفكار وشروط معينة، لذلك أعتقد أن الفن الحقيقي هو الفن الأصيل، ويسهل ملاحظة هذا النوع من الفن عند رؤيته، فعلى الرغم من أنك قد قرأت للكثير من الأدباء العالمين إلا أنك عندما تقرأ لنجيب محفوظ تبدأ بشم روائح الشوارع المصرية، تظهر في مخيلتك الحارات المصرية، والهموم اليومية الخاصة بنا، كاتب عالمي لكن أصالته مميزة وواضحة جدًا، وهكذا الكثير من المخرجين المصريين مثل: يوسف شاهين، وعاطف الطيب، وصلاح أبو سيف، وحسين كمال، ومحمد خان، وغيرهم الكثيرين بشكل يجعلك تدرك كيف يمكن أن تكون الأصالة هي أساس الحرية.

المخرج جاسبار نوي

طريق معاكس

وكما اختار يوسف الشريف أن يقوم بأعمال محافظة، نجد أن هناك أسماء كبيرة جدًا قررت أن تقوم بعكس ذلك فنجد المخرج جاسبار نوي على سبيل المثال، يقدم الجنس كشيء رئيسي وأساسي في أعماله، وقد تحدث أكثر من مرة أنه يرى أن هذا هو الشيء المهم في حياة الإنسان، وصناعة فيلم عن ممارسة الحب أصعب بكثير من صناعة فيلم عن الحروب أو سرقة بنك؛ نرى أيضا المخرج لارس فون ترايير يقوم بتقديم مشاهد جنسية ومشاهد دموية وعنيفة يصعب تحملها، ويمكن ملاحظة هذا في أفلامه “نقيض المسيح” أو “الشبقة”.

الممثلة تشارلوت جاينسبورج

 وبذكر فون ترايير أذكر الممثلة تشارلوت جاينسبورج والتي تقدم مشاهد يصعب مشاهدتها دون أن يتسلل التوتر إليك مهما كنت متقبلًا لأي نوع من الأفلام، ونجد الممثلة تقوم بهذه الأدوار الصعبة والمزعجة في كل أفلامها تقريبًا، ومع ذلك استطاعت أن تضع اسمها مع ممثلين كبار، بل ولا يستطيع أحد أن ينكر أهمية الفن الذي تقدمه؛ إذا حاولنا انتقاد الأسماء السابقة سنجد أننا نحتاج إلى مرجعية نحاججهم بها، لكن البشر لا يرجعون إلى نفس المرجع الذي يأخذون منه مبادئهم، لذلك سيظل الاختلاف، ولن يختفي وهذا من حسن حظنا لأنه هو الميزة والنعمة الحقيقية للفن.

المشاهد فنان ثانٍ

لا يعتبر المشاهد عنصرًا سلبيًا في عملية صناعة الأفلام والمسلسلات، بل يعتبر هو العنصر المحوري، والممثل وصانع العمل يجب أن يعرف إلى من يقدم عمله، فلا يعقل أن يقدم أحدهم عملًا فنيًا للعالم بأكمله يحبه الطفل والكبير، الرجل والمرأة، التقدمي والمحافظ؛ وتعتبر هذه حجة أخرى على أهمية الاختلاف فهناك مخرجون يصنعون أفلامًا للأسرة المصرية، ومن هذه الأسرة قد تجد جدة تصف أفلام كوينتين تارانتينو بالدموية وأنها أعمال لا تستحق المشاهدة، لا يجب هنا إلا استيعاب وفهم فكرة اختلاف الأذواق واختلاف مراجع وأفكار المشاهد.

اللون الأحمر

لا أحب الكتابة بهذا القلم لكن هو كل ما أملك

على الرغم من تكراري لأهمية الاختلاف وحرية الفرد، إلا أن هناك نقطة مهمة يجب توضيحها، وهي أني أتحدث عن حرية الفرد في حالة أخذ حقه كاملًا في التفكير واتخاذ القرارات الخاصة به، لكن في بعض الأحيان لا يستطيع الإنسان ممارسة حريته بشكل كامل، وذلك بسبب أن رأيه مخالف للآراء السائدة، والمجتمع الذي يعيش فيه سيعاقبه ويؤذيه إذا خالفه، ونجد هنا مشكلة الرسام الذي يلون لوحته باللون الأحمر لأنه لا يملك غيره أو لأنه مجبور على ذلك، والرسام الذي يملك جميع الألوان لكنه يستخدم اللون الأحمر لأنه يراه المناسب ولأنه يريد ذلك، والحالة الأخيرة هذه هي ما أتحدث عنه في هذا المقال، ومناقشة الحرية في ظل القيود التي تفرض بالقوة على الفنان أمر آخر غير الذي نتحدث عنه.

وهكذا نكون قد عرضنا بعض النقاط التي تدل على أهمية الاختلاف، والتي إذا فقدناه ستبور السلع، وستصبح الأشياء كلها مكررة وواحدة مجرد صور باهتة من بعضها، كما وضحنا أن الإنسان لا يجب أن يستمر في تكرار رأيه عن أهمية الاختلاف بل يجب أن يمارس هذا الرأي بشكل واقعي، وعندما لا يجد مادة فنية مناسبة مع ذوقه عليه أن يبحث في مكان آخر، لأن محاولة إخضاع كل شيء لرأينا الخاص يعد كارثة حتى لو أردنا من ذلك الحرية، وبناءً على كل ما سبق قرار الممثل يوسف الشريف هو قرار حر يجب أن ندعمه عليه إذا كنا نهتم بالفن الذي يقدمه، كما يجب أن نشجع من يصل لرأي مخالف وذلك حتى نظل بشرًا ونجد فرقًا بيننا وبين الآلات.

بعد تصريحات يوسف الشريف الأخيرة .. هل يجب أن نضع قيودًا على السينما؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي



المصدر : اراجيك

ليست هناك تعليقات