الدوغمائية في الوطن العربي: حروب دامية ضد أعداء وهميين
الدوغمائية في الوطن العربي: حروب دامية ضد أعداء وهميين
في الوطن العربي تحدث الكثير من الأشياء كل يوم، ودائمًا ما تتناولها مواقع التواصل الاجتماعي على الفور. ليتحول الأمر من مجرد موقف طبيعيّ يحدث في أي مكان، إلى تريند خارق قد يجعل تلك الدولة الصغيرة، أسفل أضواء الوطن العربي كله. لكن المشكلة ليست في التريندات، بل في تبعات تلك التريندات. لأن التريند يُظهر الدوغمائية المترسخة في أبناء الوطن، وهنا لنا وقفة.
اليوم سوف نتحدث باختصار عن مفهوم الدوغمائية بشكلٍ عام، مسلطين الضوء على تأثيرها الحقيقي، وكيف أمكن لها -لعقود طويلة- أن تعمل على تحويل الوطن العربي من تكتل ثقافي عملاق، إلى هوّة لا قرار لها.
*تنويه: هذا المقال عبارة عن وجهة نظر شخصية للواقع من حول الكاتب، والكلام المذكور هنا ليس من الضروري الإذعان له أو الإيمان به*
ما هي الدوغمائية وما علاقتها بالغرور؟
الدوغمائية ببساطة هي تعصب الشخص لرأيه بشكلٍ أعمى، بغض النظر عن أي شيء آخر قد يُثبت عكس ما يؤمن به. أي مثلًا أنه قد أثبت العلم (منذ قرون في الواقع) أن الأرض كروية، وهي التي تدور حول الشمس وليس العكس، فنجد بعض الناس الذين يقولون أن الأرض مسطحة، وأن الشمس هي التي تدور حول الأرض. الأرض بالنسبة لهم ما هي إلى شريحة مبططة يمكن أن تسقط من على حافتها، وكذلك هي مركز الكون.
لكن المشكلة ليست في إيمانهم بأنها مسطحة وأنها مركز الكون، بل في تبعات ذلك الأمر. سنجد بعدها هؤلاء الناس يسبون الآخرين لعدم إيمانهم بسطحية الأرض ومركزيتها، بل وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر للاعتداء الجسدي كذلك. لذلك مشكلة الدوغمائية ليست في التعصب للرأي بحد ذاته، بل في اقتران ذلك التعصب؛ بالأنا العُليا. الغرور وعقدة تأليه الذات – God Complex هي التي تدعم تجسيد الدوغمائية في صورة عدائية، وخصوصًا في المجتمعات التي لا تعترف بالعلمانية كسياسة تعامل رسمية بين أفرادها.
فالعلمانية تعمل على فصل الدين عن الدولة، لأن الدين متغير، بينما الدولة ثابتة. وهذا لسبب واضح -وليس مرتبطًا بالتعدي على الأديان كما تعتقد يا عزيزي القارئ- ألا وهو أن الأديان في بعض الأحيان قد تزرع في معتنقيها صواب الرأي على الدوام، لأنهم في الأساس مؤمنون بصواب دينهم على الدوام. فمثلًا إذا قالت عقيدة ما أن الذباب مضر 100%، إذًا هو مضر 100%. لكن في الواقع، الذباب له فائدة في جميع الأنظمة الحيوية تقريبًا، حتى تأثيره في النظام البريّ قد يصل إلى النظام البحري، بالرغم من التباعد الشديد في الخصائص بين كليهما.
لذلك ربما من الخارج يبدو التعصب للرأي عبارة عن حرية شخصية، ولا يحق لأحد أن يتعدى على الحرية الشخصية للآخر، أليس كذلك؟
حسنًا، الأمر كله حرية شخصية، لكن فقط إذا لم تفرضه على غيرك.
الأمر أشبه بأنك جلست مع صديقك على المقهى في يومٍ ما، وقررتما بدء مشروعٍ جديد، والمشروع عبارة عن مطعم يقدم البيتزا والمأكولات البحرية جنبًا إلى جنب. مع الوقت مبيعات المأكولات البحرية كانت الأعلى، بينما البيتزا لا أحد يقترب منها تقريبًا. لذلك المنطق يقول أنه يجب توجيه تمويل البيتزا للمأكولات البحرية، بهدف استمرارية المشروع. لكن لا، تقف أنت وتؤكد على أنه يجب تقديم البيتزا بالرغم من كل شيء؛ مما سيؤدي حتمًا إلى فشل المشروع في النهاية. لذلك الدوغمائية الخاصة بحبك للبيتزا عبارة عن حرية شخصية إذا لم تتعارض مع حياة الآخرين من حولك.
هذا كان مجرد مثال، هل هذا كل شيء؟
بالطبع لا.
ما تطبيقات الدوغمائية في الواقع فعلًا؟
عندما نأخذ الدوغمائية إلى الواقع العربي، سنرى العجب في الواقع.
ستجد من يبررون التحرش باسم الدين، وبعضهم قد يبرره بالعلم؛ زيفًا بالطبع. هؤلاء إذا كانوا ذكورًا، سيقولون أن الأنثى ما هي إلا وعاء جنسي للرجل، وأن الرجل لا يستطيع فعل أي شيء سوى التعبير عن غريزته الجنسية عن طريق التحرش. وفي هذه الحالة إذا رفضت المرأة التحرش بها، سترفض بذلك الفطرة التي خُلقت عليها. بينما في الواقع؛ المرأة مثلها مثل الرجل. وليست وعاءً لأحد على الإطلاق.
ومن الناحية الأخرى إذا كنَّ إناثًا، سيقلن أن المرأة هدفها هو طاعة الرجل في المنزل والعمل والفراش، لأنه القوّام عليها، وأن أهدافها النهائية في الحياة هي تقديم أسرة صالحة للمجتمع المحافظ. لكن هذا بالنسبة للتحرش -والذي هو فعل إجرامي معتاد بالوطن العربي بالمناسبة- فماذا إذا ارتقينا بالمستوى قليلًا؟
سنجد أن الدوغمائية المرتبطة بالجنس، لن يكون سقفها هو الأنماط التقليدية لعلاقة الرجل بالمرأة، بل سيمتد الأمر إلى العلاقات بين البشر عمومًا. فنجد نفس الأشخاص الذين برروا التحرش، هم الذين يريدون قتل وحبس المثليين والمتحولين لمجرد اختلافهم عن آرائهم حول مفهوم الجيندر والحياة الشخصية.
حتى أنه إذا أعلن أحد أفراد الوطن أنه (لا جنسي – Asexual)، لن يتركوه وشأنه أيضًا. الدوغمائية الجنسية متأصلة في أبناء الأوطان العربية حتى النخاع، وهذا يرجع في الغالب لوجود حدود قاطعة في الأديان حول ذلك الأمر؛ مما يجعل خروج الشخص (أ) عن العقيدة الدينية للشخص (ب)؛ بمثابة تحقير لعقيدة الشخص (ب). بينما في الواقع هذا ليس تحقيرًا، لأن في الأساس الأديان كالملابس، يختار المرء ما يناسبه منها، أو يفضل أن يظل عاريًا إذا شاء.
وأيضًا الدوغمائية الجنسية ليست كل شيء يا عزيزي، فهناك مستوى أعلى منها. وذلك المستوى لن يؤثر فقط على أقليات المجتمع، بل المجتمع ككل على المدى الطويل.
وتلك الدوغمائية تتمثل في التعصب للآراء السياسية بدوافع عاطفية. أي أن هناك مرشحًا ما أتى لرئاسة البلاد، وتصادف أن هذا المرشح محبوب من قبل الشعب نظرًا لما قام به سابقًا من (توزيع للأكل والشرب)، لأننا بالطبع نعرف أن أولويات الشعوب العربية ليست الحريات، بل البطون والأعضاء التناسلية. لذلك إذا قام هذا المرشح بأي شيء منافٍ للمنطق، سيقولون أن هناك فلسفة ما خلف ذلك القرار، وهذا إذا كانوا متحضرين، لأنه في الواقع ربما ستجد نفسك أسفل أحذيتهم في أرض الواقع.
إذا عدنا بالماضي قليلًا، ونظرنا تحديدًا إلى تاريخ مصر، سنجد أن جمال عبد الناصر كان محبوبًا من قبل الملايين، وبالرغم من إنفاقه لموارد الدولة على حروب فاشلة (لا دخل لمصر بها حتى من قريب أو بعيد)، برر الناس أفعاله بموجب العروبة والخَوف على الهوية العربية وخلافه. هؤلاء تعصبوا لعبد الناصر بدافع العاطفة، بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها في حق جنود بلده من جهة، وخزنة الدولة من جهة أخرى.
وختامًا..
الأمر مُحزن، والقائمة تطول إلى ما لا نهاية فعلًا، الدوغمائية متأصلة في الوطن العربي بشدة، وأتوقع ألا تتزحزح في أي وقتٍ بالمستقبل. وأيها الدوغمائيون الأعزاء، ليس لديكم أعداء كما تزعمون، هم فقط فزّاعات وهمية خلقتموها لكي تُثبتوا أن لحياتكم معنى، بينما حياتكم في الواقع خالية من كل مظاهر التأثير الإيجابي على المجتمع، الأسرة، أو حتى الذات.
لقد كتبت هذا المقال كنوع من التعبير عن الذات، وكانعكاس للمجتمع من على سطح عيني. ربما تتفق معي، أو تختلف، لكني تحدثت بصراحة على كل حال.
الدوغمائية في الوطن العربي: حروب دامية ضد أعداء وهميين بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
المصدر : اراجيك
ليست هناك تعليقات